لم تشهد مدينة القدس عبر التاريخ احداثاً درامية أسهمت بشكل جذري في تغيّر الطابع الديموغرافي والعمراني والاقتصادي والاجتماعي كتلك التي شهدتها الفترة بعد حرب 1967، فقد جوبهت القدس بعد العدوان الاسرائيلي واحتلالها لمدينة القدس بسيل من الإجراءات والممارسات التي سعت لتغيير الطابع العربي للمدينة. مباشرة بدأت هذه الممارسات بهدم حارة المغاربة وتدميرآثارها التاريخية وإجلاء سكانها لتكون بداية لمشروع كبير بالتطهير العرقي الذي ما زال مستمراً حتى الآن. فكانت السياسات التي وضعت من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ونفذت على مدار عدة عقود وما زالت تهدف الى خلق أغلبية يهودية وأقلية عربية، والسيطرة على الأرض مستخدمة قوانين عدة، منها قوانين بريطانيا بالمصادرة ، أو قوانين البناء لمنع البناء العربي والتقنين في منح التراخيص ومصادرة الهويات على اعتبار أن سكان القدس مقيمون دائمون "ومركز الحياة " وقانون أملاك الغائبين" الذي سَّن عام 1950 وسحب على مدينة القدس بعد عام 1967 . وكانت اهداف هذا المخطط الحد من النمو السكاني العربي، والزيادة السكانية اليهودية عن طريق بناء المستعمرات على الاراضي التي تم مصادرتها . حتى وصل أن ما يسيطر عليه الفلسطينيون اليوم 13% من مساحة القدس. ولم يكتفوا بذلك بل وضعت استراتيجية هدفها العام عدم إعادة تقسيم المدينة مرة أخرى عن طريق زرع البؤر الاستيطانية داخل الاحياء الفلسطينية ضمن مشروع طويل المدى وزيادة استيعاب المستعمرات المقامة بمزيد من الوحدات السكانية وزيادة أعداد المستوطنين ضمن مشروع القدس عام 2020 بإقامة مستعمرات جديدة ومناطق صناعية ومحاصرة السكان العرب بالطرق والانفاق والجسور والحد من نموهم السكاني. ووضعهم في سجون كبيرة ليكون الدخول والخروج منها بأذن إسرائيلي. وفي المقابل نشهد بأن الجانب الفلسطيني يتلقى هذه الضربات دون ردود فعل مساوية يقف عاجزاً أمام آلة البطش التي تستخدم فيها كل أنواع القوانين العنصرية التي دمجت ما بين الترهيب والترغيب لحمل السكان على ترك منازلهم، ومدينتهم. وجاء جدار الفصل العنصري ليزيد من معانة المقدسيين الذي أخرج وبضربة واحدة اكثر من 125 الف مقدسي اصبحوا يسكنون خارج الجدار، الذي سيؤثر مستقبلاً على وضعهم القانوني الذي سيؤدي الى فقدانهم الهوية ويصبحون (بدون).

ان إستمرار هذه السياسة الاسرائيلية والتي وضعت معالمها واستراتيجيتها بدون أن يكون هنالك استراتيجية فلسطينية لوقفها او الحد منها ، فإننا سنأتي الى يوم ونقول فيه كانت هنا مدينة يطلق عليها اسم القدس؟؟.

بقلم: خليل التفكجي

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي