بقلم  احمد النداف

عام مضى وآخر هلّ على العالم العربي بشعوبه وأنظمته وجغرافيته، وسط معطيات ذاتية أو موضوعية، تبدو حتى اللحظة أنها ستواصل تحركها سلباً أو ايجاباً، يميناً أو يساراً، سواء أكانت تحت تأثير ما بات يعرف ب "ثورة الربيع العربي" نجحت في بعض الدول كالجمهورية التونسية ان تبني نظامها ذا النمط المختلف عن سابقه الذي كان يتربع على رأس هرمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتماشياً مع التطورات التي شهدتها الخارطة السياسية التونسية انتخابات تشريعية ومجالس محلية بلدية وصولاً الى الانتخابات الرئيسة التي جمعها كلها حالة من الفرز السياسي والاجتماعي كان من أبرز سماتها اقصاء جماعة الاخوان المسلمين التي حكمت تونس على مدى السنوات الماضية والتي تلت انهيار نظام بن علي بعدما فشلت في اداء البلاد وايصالها الى بر الامان وتحقيق الطموحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي انتفض الشعب التونسي من اجلها ابتداء من شرارتها الأولى التي اطلقها "البو عزيزي" معلناً اشتعال حريق الثورة أدت بالنهاية الى تغيرات هامة جاز القول عنها وبها، بأنها مركز الولادة لتجربة ديمقراطية عربية شاملة انطلاقاً من امكانية تعميم وضوحها ومنطقيتها، واثبات قدرة الشعوب العربية وتوقها للتغيير نحو مجتمع أفضل، وأكثر عدالة وحرية وتطور ونمو تاقت لها وهي ترى كل شعوب الارض تسير بخطوات متسارعة نحو مجتمعات أكثر مدنية وتطوراً.

 

ومن هذا المنطلق يطرح أكثر الاسئلة الحاحاً بما يتعلق بمصير الوطن العربي؟ والى أين يسير بأنظمته وشعوبه وجغرافيته؟!

وللاجابة على هذا السؤال لا بد من استعراض وتسلسل الاحداث التي شهدتها المنطقة والبداية من البوابة الشرقية العراقية التي دخلت مع سقوط النظام السابق، والذي كان على رأسه الرئيس الراحل صدام حسين في دهاليز سوداء ومظلمة، أقل ما يقال عنها بأنها ستؤدي في كل منها الى كارثة وطنية ولعل أبرزها أن يتم تقسيمه على أسس طائفية ومذهبية أو حتى عرقية، وللأسف يبدو هذا الوضع هو نهاية محتومة تنتظر العراق حيث تزداد هذه الايام الاحاديث عن دور الاقاليم، ولأول مرة بهذا الوضوح على الرغم من ترسيخها على أرض الواقع وهي وصلت الى درجة التقسيم الجغرافي والسياسي والتقاسم الاقتصادي للثروات والخيرات بطريقة غير معلنة، ولا يجرؤ أحد على اعلانها بكل وضوح وجلاء. على الرغم من سعي وعمل الجميع بغض النظر عن خلفياتهم السياسية والطائفية على ترسيخ هذه التقسيمات وهذا ما تجلى بتشكيل مجالس برلمانية ووزارية خاصة ومحصورة بهذه "الاقاليم" وكثيراً ما تختلف مع السلطات المركزية في العاصمة كما هو الحال مع "السلطة" الناشئة حديثاً في الاقليم الكردستاني الساعي الى الاستقلال التام سياسياً واقتصادياً وحتى جغرافياً. " تحقيقاً لحلم انشاء الدولة الكردية الممتدة من شمالي العراق وايران الى شمال سوريا وجنوب تركيا" والذي بدأت تباشيره بالسيطرة على الثروات الطبيعية وعلى رأسها البترول وبيعه دون المرور عبر السلطة المركزية ومراقبتها كما تجسدت حالة "الفراق" لتصل الى انتهاج سياسة عسكرية وأمنية مستقلة تجلت في اشتراك البشمركة " الجيش الكردي الخاص" مع التحالف الدولي المناهض للدولة الاسلامية في العراق والشام "داعش" دون التنسيق مع الجيش المركزي والتي يخشى أن تكون هذه المشاركة ثمناً مسبقاً لرسم الخارطة الجغرافية للدولة الكردية من خلال حشر باقي الاطراف في مناطقها الجغرافية الخاصة كما هو حاصل الآن في الوسط العراقي ذي الغالبية السنية وهو المرتبط بالوسط السوري بعدما اقدمت داعش على ازالة الحدود الممتدة حتى تخوم مدينة حلب في الشمال السوري وبما فيها مدن ادلب والرقة والحسكة لترتسم معها وبها حدود دولة داعش فعلياً ولكن بالنار هذه المرة وبمباركة "الحلف الدولي" وكأنه يعطي الشرعية  لهذه الدولة. وهذا المخطط هو ما يعني في النهاية وسيؤدي الى اقتطاع الجزء الجنوبي من العراق ذي الغالبية الشيعية وترسيخ الاقليم الشيعي المجاور للجمهورية الاسلامية الايرانية مما يعني تحوله في النهاية وبشكل طبيعي الى دولة "شيعية".

 

وهذا الوضع القائم بالعراق والذي تسير باتجاهه التطورات سيؤدي بالنهاية الى ما يشبه قناعة الاطراف جميعها بالبحث كل بدوره عن " داعشه الخاص" جغرافياً وسياسياً تتجاوز ما كان البعض  يتحدث عن انشاء اتحاد كونفدرالي يعيد تجميع اجزاء العراق في خارطة جغرافية " موحدة" وتحويل هذا الاتحاد بالتالي الى مجرد حلم وطرف سياسي سوّق له كثير من معارضي نظام صدام حسين السابقين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والطائفية وحتى العقائدية.

والى سوريا التي يبدو انها الوحيدة التي لم تصل حتى الآن ورغم مرور ما يقارب الاربع سنوات من الصراعات الدموية وتشعبها وانتشارها لتشمل العديد من القوى والتسميات وتداخلها مع الكثير من الدول والقوى الاقليمية وكذلك الدولية، وهي التي أدت مجتمعة الى وضع سوريا الجغرافيا والشعب والنظام والدولة على رأس اهتمام كثير من القوى والمصالح المتشعبة.

 

فسوريا الآن هي حجر زاوية في المعادلات الدولية والاقليمية وعلى سبيل المثال فهي موجودة في ملفات الأزمات الأمريكية – الروسية وكذلك في نقاط الخلاف الروسي الصيني مع الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا وكذلك تجدها  في ملف العلاقات الايرانية السعودية فهي دوماً الطرف الثالث والبند الخفي في هذه الملفات حتى ضمن العلاقات المستجدة والتحالفات الجديدة بين الدول فسوريا تتواجد كما هو واضح في العلاقات المصرية العربية وملفاتها مع السعودية وقطر وتركيا وروسيا الى درجة دفعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي أبلغ الجميع بأنه ذاهب لاستئناف العلاقات مع سوريا النظام رغم القرار المتخذ في جامعة الدول العربية واعادة التنسيق العسكري والأمني في كلا البلدين، وهذا الموضوع وصل الى مرحلة متقدمة من أبرز علائمها وصول وفد سوري رفيع المستوى يترأسه قائد الاكاديمية البحرية السورية عماد الأسد وهو ابن عم الرئيس بشار الاسد ومن اكثر المقربين والمؤثرين في النظام، في زيارة تعتبر بمضمونها باباً لاستئناف الزيارات والمشاورات على الرغم من اعتبار الجانبين لهذه الزيارة أنها زيارة خاصة حتى وان كانت تضم في صفوفها عدداً من خبراء السياسة والعلاقات الخارجية والأمن والجيش أغلبهم أعضاء في اللجنة السورية – المصرية العليا والتي كانت تعقد جلساتها برئاسة الرئيسين بالتناوب في كلا العاصمتين دمشق والقاهرة.

 

خصوصاً وأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان من أوائل من سوَّق ودعم المبادرة الروسية الاخيرة الرامية الى اطلاق عملية حل سياسي في سوريا مفتوح على كل الاحتمالات بما فيها ادخال تعديلات جذرية وبنيوية على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي تقف على رأسها قوى ديمقراطية علمانية قادرة على الانفتاح على كل القوى ولأول مرة بمواجهة  " العدو المشترك" المتجسد بالمتطرفين على امتداد الوطن العربي كعدو يستهدف كل المنطقة العربية من المحيط الى الخليج، وهذا ما المح اليه الرئيس المصري خلال الحديث عن سعيه لتحقيق لقاء ثلاثي في القاهرة يجمع  كلاً من المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا بغض النظر عن مستوى هذا اللقاء كمرحلة أولى قد لا تكون على مستوى القمة. وهذه الدعوات المصرية تتلاقى مع الخطة الروسية الخاصة بالرؤية لحل الازمة السورية وتتلاقى وتتقاطع مع المبادرة الاممية التي يسعى اليها مبعوث الامين العام للامم المتحدة ستيفان دي ميستورا لاجراء مصالحات ووقف لاطلاق النار في حلب أولاً ونشرها وتعميمها نحو مناطق ومدن اخرى لتصل الى العاصمة دمشق ومحيطها وهو ما تشجعه القيادة المصرية وترحب به وبالتالي تتجمع كل "المبادرات والمصالحات " مشكّلة مظلة الحل والمخرج اللائق من المأزق السوري ويبدو انه سيكون البداية نحو خارطة جيوسياسية سورية جديدة وان كانت لم تنضج وتتضح معالمها حتى الآن.

 

والحديث عن الدور المصري وتطوراته لا يغني ولا يعني ان جمهورية مصر العربية هي الاخرى بدورها ليست مقبلة على تطورات وان كانت مختلفة بالشكل والمضمون عما يجري حولها وفي العالم العربي، فالنظام المصري الجديد الذي استطاع اقصاء حكم الاخوان المسلمين وبعد ترسيخ دعائمه الداخلية على ركائز قوية رغم اتهامه من خصومه بأنه صعد على متن الدبابة فهو يسعى الى مواجهة الاخطار المحدقة به من  كل جانب وبالاخص من جاره الليبي القريب الذي يشترك معه بحدود جغرافية صحراوية كبيرة يصعب السيطرة عليها ومراقبتها بشكل فاعل فهو يسعى نحو تنسيق أمني يشمل كل دول شمالي افريقيا المغرب، تونس، الجزائر والسودان وهي دول متأثرة بدرجة أو بأخرى من التطورات الليبية مع البحث جدياً للاقدام على تحركات عسكرية وامنية حتى داخل بعض هذه الدول خصوصاً في حال فشلت هذه المساعي مما يعني اضطراره لتجاوز الحدود الجغرافية الليبية خصوصاً وأنه أي النظام المصري يمتلك معلومات تفيد عن وجود خطة لدى الاخوان المسلمين للانقضاض مجدداً والاستيلاء على السلطة من جديد ولكن هذه المرة بالحديد والنار بعد وضع النظام المصري الحالي بين فكي كماشة متطرفة في شمالي سيناء وجيش يجهزه الاخوان وبرعاية ودعم وتسليح تركيا للانقضاض من البوابة الليبية لاسقاط نظام السيسي على الرغم من الوضع الضبابي المسيطر حالياً على ليبيا الذي نجحت "ثورته الربيعية" في اسقاط نظام العقيد القذافي الا انه لا يزال وحتى اللحظة يعاني من التداعيات السلبية لهذا الاسقاط بحيث ان الصراعات التي تفجرت "عرقية قبلية" في ليبيا والمستمرة حتى اللحظة وباشكال مختلفة على الرغم من المحاولات السياسية لارساء نظام جديد بعد النجاح في جولتين من الانتخابات البرلمانية وتشكيل عدد من الحكومات الائتلافية التي لن تستطع وللاسف في رسم الخارطة السياسية والاجتماعية لليبيا المستقبل، المهدد حاليا بالانقسام والانشطار لاقليمين شرقي وغربي على اسس قبلية وعشائرية حيث يدور الصراع حاليا ما بين الشرق الواقع تحت سيطرة مؤتمر شعبي وحكومة خاصة مدعوما بجيش شبه نظامي من بقايا الجيش الليبي السابق وما بين الغرب الواقع تحت سيطرة مؤتمر شعبي وحكومة خاصة ايضاً مدعومة من قوات انصار الشريعة المتطرفة وهي اشبه بمليشيات متحالفة ومدعومة من تنظيم القاعدة وتعتبر ذراعها الرئيس والاساس في شمالي افريقيا وهو مدعوم ايضاً من بعض بقايا قوات الجيش السابق والتي يطلق عليها اسم قوات فجر ليبيا. وهي تقسيمات يخشى ان تؤدي الى انشطار عامودي يصبح معها التقسيم الجغرافي امراً واقعاً لا محال يشبه الى حد بعيد ما جرى لدى الجار القريب السودان حيث جرى تقسيمه ما بين الشمال والجنوب على اسس عرقية ودينية وقومية فالشمال عربي اسلامي والجنوب افريقي مسيحي وهي صيغة على كل حال لم تستطع حتى اللحظة ولن تستطيع ان تخرج السودان من دائرة الصراعات الاثنية والعرقية والدينية ليست فقط ما بين الشمال والجنوب بل وصلت الى تفجير الصراعات في كلا الاقليمين على حدة والصراع محتدم الآن شمالي شمالي وكذلك جنوبي جنوبي دون اغفال الصراع الاساسي ما بين الشمال والجنوب ولعل وضع اقليم دارفور خير دليل على هذا الامر والذي يهدد في حال تطوره الى ازمة اكبر واكثر تعقيداً وهو ما بدأت القيادة المصرية تتلمسه وهي الساعية الى استعادة دورها الاقليمي والدولي والعربي والتحذير منه خصوصاً بعد نجاحات بعض الدول الساعية لاستغلال هذه الازمة لتضيق الخناق على مصر ولعل ازمة نهر النيل وبناء السدود عليه بطريقة تضر كثيراً بالمصالح المصرية ما كانت هذه الدول لتتجرأ ان تخوضها بوجه مصر لولا الخاصرة السودانية الرخوة. وهو أمر ينسحب حتى القرن الافريقي من الصومال الى جيبوتي وارتيريا وجزر قمر وصولاً الى اليمن السعيد الذي وعلى رغم من اسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح اعتقاداً بأن هذه النهاية والانجاز هي المدخل لوصول قطار "الربيع العربي" الى محطته اليمنية، ولكن ما حصل هو العكس تماماً اذ دخل اليمن في أتون صراع دموي من نوع آخر وللاسف هذه المرة على أساس طائفي ومذهبي مجسداً ما بين النظام الحالي ودعامته القبائل ذات الغالبية السنية وما بين الحوثيين ذات الغالبية الشيعية مما يهدد الحوثيين بصورة جدية بنشوب حرب أهلية خصوصاً بعد التمددات التي قام بها الحوثيين من خلال السيطرة على العديد من الفصائل والمراكز الحساسة والقيادية والمشارف البحرية والموانئ على البحر الاحمر وصولاً الى العاصمة صنعاء دون اعلانها اسقاط النظام الحالي الذي يرأسه عبد الهادي عبد ربه وهذه الحالة في حال تطورها السلبي ستؤدي حتماً الى اعادة شطر اليمن الى شطرين ان لم يكن اكثر دون ان تتم الاستفادة من تجارب الحروب الاهلية السابقة ونتائجها الكارثية على الجميع.

 

واستكمالاً لخارطة التحولات والتبدلات العربية لا بد من التعريج على لبنان الذي لا زالت ازماته تتفاقم تأثيراً وللأسف ب " الربيع العربي" دون ان يكون لهم محطته الخاصة حتى الآن الا انه تماشياً مع تجاربه وتاريخه وطبيعة نظامه الطائفي والتقاسم الوظيفي فيه والتي ترتبط في كثير من الاحيان بالتطورات الاقليمية والدولية من رأسه الى أخمص قدميه فلبنان اليوم يقف أمام كثير من المعضلات السياسية والاجتماعية والبنيوية ولعل على رأسها فشله في انتخاب رئيس جديد للبلاد بعدما فشل سابقا في اجراء الانتخابات النيابية وهما مرتبطتان ارتباطا وثيقا مع بعضهما وهذه العقدة لا زالت موجودة على الرغم من وجود مؤشرات ودلائل للمبادرات سياسية داخلية واقليمية ودولية الا انها لم تستطع انجاح اوانضاج طبخة الانتخابات الرئاسية المحصورة حالياً ما بين رئيس التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون وبين الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية بوصفه مرشحاً لتيار 14 اذار الذي يضم الكثير من القوى وعلى رأسها تيار المستقبل فيما يتكئ الجنرال عون على تيار 8 اذار والذي يضم بدوره العديد من القوى  في مقدمها حزب الله.

 

ويبدو ان هذه العقدة وضعت مؤخراً على طاولة البحث والحل طبقا لقاعدة انضاج الظروف امام رئيس جديد "توافقي" تشترك بصناعته دول اقليمية مثل سوريا وايران والمملكة العربية السعودية واخرى دولية تتقدمهم فرنسا والولايات المتحدة الامريكية وعواصم اوروبية اخرى ومحورها قائم على اعلان الطرفين التخلي عن المنصب او الترشح له افساحاً في المجال امام شخصية "توافقية" تتأرجح بين مواصفات روبير غانم الرئيس الحالي للجنة العدل والادارة في المجلس النيابي وما بين جان عبيد دون ان يتم تناسي او تجاهل الاسماء الاخرى حتى لو ادى ذلك الى اللجوء مرة اخرى الى اجراء تعديلات دستورية تسمح لهم بالترشح وهو ما يمكن ان يحدث في لبنان كما حدث سابقا عندما جرت تعديلات دستورية على قياس اشخاص محددين لإيصالهم الى سدة الرئاسة.

واضافة الى قضية الانتخابات البرلمانية والرئاسية يقف لبنان اليوم امام ملف يبدو من اهم واخطر الملفات واكثرها حساسية ودقة وهو مواجهة الارهاب الجاري في المنطقة بعدما وجد لبنان نفسه وجهاً لوجه متصادماً مع بعض القوى الارهابية كداعش والنصرة المتواجدتين على ارضه في الجانب الشرقي والمتاخم للاراضي السورية وهو ما يعني فشل سياسة النأي بالنفس التي انتهجها لبنان منذ بداية الازمة السورية وعزز هذا المأزق اقدام جبهة النصرة وداعش على اختطاف واحتجاز عدد من العسكريين بل واعدام بعضهم والتهديد باعدام الآخرين بصورة تجسد تورط لبنان في هذا الملف الاقليمي والدولي غصبا عنه وهو ما فرض عليه التعاطي مع هذه الازمة الكبيرة والخطيرة مما دفعه الى الاستعانة بالدول الاقليمية والدولية لمواجهة هذا الملف وهو ما ادى الى جمع الاضداد الاقليميين والدوليين فوق ارضه فهو ايضا اي لبنان اضحى الملف الثالث في جداول اعمالهم الثنائية ولعل صفقات الاسلحة والمعدات العسكرية خير دليل على ذلك والتي تصب في مساعدته للخروج من هذه الازمة الخطيرة التي تهدد مصيره هو الآخر وان كان بطريقة مختلفة تعود اساساً لطبيعة ارتباطاته الازلية من محيط اقليمي ودولي وعواصم قرار اممية وتجسيداً لهذا الامر ولأول مرة تحتاج القوات العسكرية  اللبنانية الى صفقة الاسلحة الفرنسية الممولة من قبل طرف واحد هو المملكة العربية السعودية بقيمة ثلاثة مليارات دولار وصفقة بقيمة مليار دولار من الولايات المتحدة الامريكية وهي مبالغ لم يشهدها لبنان منذ ولادته بهذا الحجم  والنوعية وفي النهاية لا بد من ملاحظة ان التطورات الحاصلة في الخارطة العربية وما يجري فيها باستثناء فلسطين وتطورات قضيتها التي ستبقى هي الاساس والاصل مع انها تختلف عن باقي القضايا والازمات العربية الاخرى طبقاً لاختلاف العدو وطبيعة الصراع وان كانت هذه القضية هي جوهر الصراع العربي – الاسرائيلي والذي لن ينتهي بالضرورة حتى لو استقرت كل دول العالم العربي في احضان " ربيعها" الا بعودة حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة اليه وعلى رأسها حقه في ازالة الاحتلال على ارضه واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف وهذا حديث له موقع آخر يستكمل فيه تطورات الساحة العربية لتكتمل الصورة المتحركة نحو اعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للوطن العربي المترامي الاطراف من المحيط الى الخليج.

خاص مجلة "القدس"/  العدد السنوي