رحل الشهيد يحيى السنوار، رئيس حركة حماس، والرجل القوي فيها، وصاحب أشرعة طوفان الأقصى أول أمس الخميس 17 تشرين أول/أكتوبر الحالي، بعد عام وعشرة أيام من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب العربي الفلسطيني، وأجزم أن رحيله طوى صفحة الطوفان، لكنه ترك السيوف الحديدية وقيامة بنيامين نتنياهو وخيار سيد الإبادة وحامي حمى الدولة العبرية اللقيطة على المستويات المختلفة جو بايدن تهرس عظام، وتمتص دماء، وتلتهم لحم الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء من المدنيين العزل في قطاع غزة خصوصًا، وفي الضفة بما فيها القدس العاصمة عمومًا، وهذا ما أكده رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم أول أمس في كلمته بعد التأكد من استهداف زعيم حماس. وأعتقد أن شعار الطوفان و"التحرير" تآكل منذ البدايات، دون الانتقاص من تضحيات الشهداء الأبطال، أو التقليل من عطائهم، أولئك الشباب المناضل، الذين قدموا أرواحهم ثمنًا للدفاع عن حرية وكرامة وأهداف الشعب الوطنية.
ولعل استشهاد السنوار باللباس العسكري وجعبته على صدره ورشاشه بيده، وهو يقاتل فوق الأرض، وليس في نفق ولا يوجد بجانبه أي من الرهائن الإسرائيليين ما يمنح شخصيته المغامرة الطابع التراجيدي، ونموذج البطل المأساوي، دون أن يغفر له خطيئة ما حمله الطوفان من تداعيات دراماتيكية خطيرة على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

لأنه تفرد بالقرار دون التنسيق مع الكل الفلسطيني، وبعيدًا عن التخطيط والتقدير السليم لتداعيات شن هجوم السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، وافتقار لأولويات العلم العسكري، وتغييب حسابات الربح والخسارة على المستويات المختلفة.
ومما لا شك فيه، أن الرواية الإسرائيلية عن استهداف السنوار كانت متضاربة، في البداية قالوا، إنه قتل يوم الأربعاء 16 أكتوبر، والبعض قال تم استهدافه صباح أول أمس الخميس، وادعوا جميعًا، أنه قتل بالصدفة المحضة، وبعضها الآخر نفى أن يكون قتل في معركة، وآخر رواية أكدت أنه استشهد في مواجهة مع قوة عسكرية إسرائيلية، في حين أعلن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي أن المعلومات الاستخبارية الأميركية ساعدت في ملاحقة قيادات وكوادر حركة "حماس" بمن فيهم يحيى السنوار، مما يشي بأن عملية الملاحقة لم تكن بالصدفة، وإنما نتيجة رصد ومتابعة استخباراتية. وهو ما يطرح بعض الأسئلة على عملية استشهاد رجل حماس القوي.

لماذا هذا التضارب في المعلومات؟ هل كانت القيادة الإسرائيلية تريد أن تخفي استشهاد السنوار؟ لماذا؟ وما هي خلفيات ذلك؟ هل كانت مثلاً، تريد أن تستغل إخفاء رحيله، لترسل رسائل باسمه لقيادات حماس في الخارج تتجاوب مع الرؤية الإسرائيلية، أم أرادت أن ترسل رسائل لمن تبقى من قياداته الميدانية في قطاع غزة للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين دون مقابل، أو إرسال معلومات مغلوطة للتشويش عليهم، وارباكهم في الميدان. لا سيما وأن بصمة صوته موجودة عندهم؟ أم لحسابات إسرائيلية أخرى أجهل كننها؟ وهل التأكيد الإسرائيلي على أن استهداف أبو إبراهيم من قبل قوة مشاة عادية، وليس من قوات خاصة الغاية منه التقليل من مكانة الرجل؟ وهل قتل القائد الحمساوي يندرج في سياسة طي صفحته، باعتبار أن دوره انتهى، ولم يعد له حاجة، أو لأنه تجاوز الخطوط الحمر الإسرائيلية الأميركية؟ وهل استهدافه يدخل في دائرة ترتيبات اليوم التالي للإبادة الجماعية، استنادًا لفرضية أن بقاءه في المشهد يؤثر على تلك الترتيبات الإسرائيلية، أم له علاقة بوصول قيادي أكثر استعدادًا للتعامل مع رؤية الائتلاف الحاكم النازي في إسرائيل؟
الأسئلة المتعلقة برحيل الشهيد السنوار عديدة ومتشعبة، وهي حمالة أوجه عديدة على صعيد حركة حماس خصوصًا، والوضع الفلسطيني عمومًا، وأيضًا على الساحة الإسرائيلية، حيث برزت أصوات في أوساط المعارضة والمراقبين الإسرائيليين والأميركيين وغيرهم تنادي باقتناص الفرصة للذهاب للحل السياسي. إلا أن خيار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو بات واضحًا من تأكيده على مواصلة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، ولهذا الملف قراءة أوسع.