في العام 1949 أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم "302" المؤسس لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا". جاء القرار في ذروة المأساة الرهيبة التي صنعتها إسرائيل بالشعب الفلسطيني، عندما شردت أكثر من 800 ألف فلسطيني وهاموا على وجوههم في منطقة الشرق الأوسط بالبرد والجوع والأمراض والأوبئة. وفي بنده الخامس ينص القرار المذكور بأن مسألة الاهتمام باللاجئين وغوثهم لا تخل بحقهم بالعودة المنصوص عليه بالقرار "194"، بما يعني أن عمل الوكالة سيتواصل حتى تتحقق العودة.

هذه المقدمة توضح بالضبط لماذا إسرائيل تصر على إنهاء عمل الوكالة، فهي تعتقد أن هذا الإنهاء سيقود إلى تصفية قضية اللاجئين، فوجود الوكالة، يعني بالضرورة أن المشكلة لا تزال قائمة، وأن للاجئين الفلسطينيين حقًا منصوصًا عليه في القانون الإنساني الدولي، الذي ينص بوضوح أن من حق أي إنسان يغادر بلده أن يعود إليه متى شاء، وكذلك في القرار 194. فما تريده دولة الاحتلال والتطهير العرقي هو شطب القضية من جدول الأعمال الدولي، ومن الذاكرة الدولية لاحقًا، ويبقى اللاجئ الفلسطيني هائمًا على وجهه في العالم يمكن أن تستوعبه الدول التي بحاجة إلى بشر.

ولعل الرئيس الأميركي السابق، والمرشح الحالي للرئاسة دونالد ترامب، كشف أن مسألة إنهاء وجود وكالة الغوث ليست مجرد مخطط إسرائيل، أو تيارها اليميني، وإنما هو توجه لدى التيارات اليمينية في الولايات المتحدة ذاتها. ولا بد من التذكير هنا أن ترامب قرر العام 2018 أوقف كافة أشكال الدعم للأونروا، وهو كما بنيامين نتنياهو نفسه لا يؤمن كثيرًا بدور الأمم المتحدة ذاتها. ونستمر في السياق، فإن سلوك إسرائيل، وبالتحديد مع هذه الحكومة اليمينية، تعمل على إزاحة الوكالة من المشهد، وبالتحديد مقرها في القدس في حي الشيخ جراح، فهذا المقر يشكل استفزازًا لهذه الحكومة، فهو بالنسبة لها نصب تذكاري كبير في وسط القدس لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وليس مجرد مبنى إداري للوكالة.

وإذا جمعنا قطع البزل بعضها مع بعض يصبح المشهد أكثر وضوحًا، فجيش الاحتلال في قطاع غزة يتعمد تدمير كل ما يتعلق بالأونروا، مقرات، مدارس، عيادات صحية، وحتى قتل موظفيها. ولكن بالنسبة لهذه الحكومة الإسرائيلية يبقى مقر وكالة الغوث في القدس هو الرمزية التي تقوض مهجعها، وتهدد بإزاحته. فكيف تكون مشكلة اللاجئين الفلسطينيين فيما تدعي إسرائيل أنها "عاصمتها الأبدية".

ولكن بين إسرائيل وبين ما تعتقده جدران كبيرة، الأول أن قضية اللاجئين الفلسطينيين، هي قضية دولية، وليست فقط قضية محلية، فهي قضية ترتبط بقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، والأهم من القانون هو إصرار الشعب الفلسطيني على العودة، هذا الجدار الأول، ثم تأتي مسألة الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية والأرض الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، لدى إسرائيل مشكلة في القدس ذاتها، فضمها لشرق المدينة لا يعني أن من حقها الاحتفاظ بها، فهي بالتالي تحتج على مقر هو في الواقع مقام على أرض محتلة، هي أرض فلسطينية لكنها في المفهوم العسكري منطقة فاصلة لا تدخلها الجيوش، وهذا لا يعني التشكيك بهوية الأرض بأنها فلسطينية.

وبما يتعلق بالقدس الغربية، فإن المجتمع الدولي لا يعترف بأنها عاصمة لإسرائيل لسبب قد يغيب عن بال كثيرين، فإن القدس بموجب القرار، الذي أقيمت إسرائيل بموجبه، أي قرار التقسيم رقم "181" يعتبر القدس كلها أرضًا يجب أن تكون تحت إشراف دولي.

من هنا اعتبر احتلال إسرائيل للقدس الغربية بمثابة واقع فرض بالقوة وغير معترف به. فالقدس بشطريها، لا اعتراف دوليًا بها كأرض تتبع إسرائيل، لذلك يعتبر أي اعلان من قبل أي دولة بأن القدس عاصمة لإسرائيل هو انتهاك للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

ومقر وكالة الغوث "الأونروا" الموجود في القدس هو مقام على أرض فلسطينية، وبالتالي المقر تعود ملكيته الشرعية إلى الشعب الفلسطيني، وهو فقط من يحق له اتخاذ قرار بحقه. 

ولقد تحولت الأونروا لجزء من مساحة الصراع، وهذا ليس غريبًا فوجود الوكالة ودورها له علاقة بجوهر الصراع ومرتبط به، وهو وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، فالوكالة أحد أهم الشهود على واحد من أهم الحقوق ألا وهو حق العودة، من هنا ندرك مركزية وجود الأونروا بالنسبة للشعب الفلسطيني والقانون الدولي، ورفض إسرائيل لوجود هذا الشاهد التاريخي، فالوكالة ستبقى تذكر بجوهر الصراع وجذره التاريخي.