حيال كل واقعة قتل في بلادنا، ننحو باللائمة، ونشجب، السياق الذي نُقتل فيه يومياً، وهو قتل مشهود، يستحث أحياناً بعض أضداده، بأقل مما يصف نيوتن في قانونه الثالث للحركة الميكانيكية. ذلك لأن كل أضداد الفعل الشائن، عندما تقع، لا تكون مساوية في المقدار، وإن كانت معاكسة في الاتجاه!
الشابان الفلسطينيان، اللذان هاجما الكنيس في القدس، تشكّل وعيهما بالوجود، وبكيفية الوجود على أرض الآباء والأجداد، من خلال وقائع يومية تتسم بكل ما هو قبيح وشائن وقاتل، في سياق هجمة مجنونة تضرب قبور الأموات ومساجد الأحياء ومنازلهم وتقتلع أشجارهم أو تحرقها ثم تسرق أرضهم. أما الحاخامات المتسربلون بعباءات الشيطان، الذين يرسلون المتطرفين القتلة والمخربين، ومعهم الجيش الذي يفسح المجال لهؤلاء كي يرتعوا في ظل سيطرته العسكرية؛ فإنهم يأخذوننا بالجملة، وكأننا لسنا سوى مخلوقات زائدة، أو أسماء مكتوبة بالطباشير على لوح الحياة، يسهل ويتوجب محوهها.
لننظر في ردود الأفعال على هجوم الشابين في القدس، ولنقارن بين لغتنا ولغة متزعمي المشروع العنصري والديني المتطرف. ولنا في السياق، أن نقارن بين ثقافة الشابين اللذيْن نفذا الهجوم، وثقافة ضحاياهما. ففي لغتنا، أدان الرئيس عباس القتل باعتباره واقعة لم يكن، بشفاعة السياسة الموصولة بإحساس إنساني؛ يرغب في وقوعها ولم يكن تسبب فيها، مثلما هو الحال بالنسبة لأي قيادي فلسطيني يتطلع الى تسوية متوازنة وراسخة. أما لغة نتنياهو، فقد تشبعت بالحقد على المعلومين والمجهولين، وعلى كل الأسماء وعلى كل الفضاء الفلسطيني. قال إن ردة فعله ستكون قاسية جداً. وعلى مَن بالضبط؟ على شعبنا كله. وماذا تكون مسطرة العنصرية وميزانها، إن لم تكن مثل مسطرة نتنياهو هذا. فالشابان اللذان نفذا، قضيا نحبهما برصاصهم، وناما قريري العين، فماذا تبقى له بعد ذلك؟!
في مقدورنا أن نستنتج الجواب من واقع السياق الهمجي، وهو ما يُراد للوسط الاجتماعي للشابين في القدس، وللطيف الفلسطيني في كل مكان، بل وللناطقين بالعربية في هذه الدنيا، والموحدين بالله، ردة فعل رجل يُلوث البيئة الإقليمية، هو وحكومته، ويطمح الى تتويج نفسه ملكاً في تاريخ الأسطورة!
يقيني ان ثقافة الشابين تختلف تماماً عن ثقافة ضحاياهما إن كانوا ستة أو خمسة. الأولان غير إقصائيين للبشر كبشر، غير حاقدين على البشر كبشر، وهما مستعدان للتسوية التي يتعايش بموجبها شعبان دون أن يعتدي واحدهما على الآخر، وأظنهما يقدران عناصر يهودية تتسم بالحكمة وتنحاز للحقيقة ولمنطق العدل، ولا يعرفان الكراهية لأحد على أساس الدين أو القومية. أما ثقافة ضحاياهما، فهي مسجلة على حجارة القبور المحطمة وعلى جدران المساجد التي هوجمت والكنائس التي أحرقت، وتدل عليها بقايا جذوع الأشجار التي اقتلعت!
في حديث السياسة، نتمسك برفضنا للعنف ونحذر من قانون نيوتن الثالث، ونقول إن حركة الضد، في حال استمرار سياق الفعل الشائن، ستظل تتوخى التساوي في المقدار ما أمكن. 
أما في حديث الوجدان، فإن الإدانة البليغة هي لقتلنا وللأيدي التي تعيث فساداً وتقتل الأرواح. وهي لمجرمي القتل الرقمي من الجو، الذين قصفوا الطفلة في غزة، وهي لا يبلغ طولها متراً؛ بصاروخ طوله نحو مترين أي ضعف عرض الطفلة. إن هذا هو القتل الذي يدينه وجداننا ووجدان كل مخلوق من البشر الأسوياء على كوكب الحياة.