ما تأثير قرار الأمم المتحدة برفع مكانة فلسطين الى دولة عضو مراقب على مسار المتغيرات في الدول العربية؟، وأي تأثير للتحولات النوعية الجارية الآن في دول «الربيع العربي» على تكريس مكانة الدولة الفلسطينية جغرافيا وديمغرافيا؟ وهل إقرار العالم بميلاد دولة فلسطينية تقوم على مبادئ الحرية والعدالة والكرامة الانسانية وحقوق الانسان تلتزم منهج الديمقراطية سيكون عامل استقرار في المناخ السياسي بالمنطقة الذي يشهد تقلبات خريفية كانت متوقعة حتى وان اعتبرها البعض مفاجئة؟!سيرفع قرارالأمم المتحدة من مستوى قناعة قادة الأحزاب والحركات العربية وجماهيرها بأن المستقبل هو للقوى التحررية التقدمية الديمقراطية المنسجمة مبادئها مع قوانين ومواثيق وقيم الحرية والعدالة والكرامة الانسانية، وان الهياكل والكيانات السياسية القائمة على مفاهيم دينية او جنس او عرق او لون لا مستقبل لها في انظمة الحكم، حتى أن فرصها في الاستمرار ضئيلة باعتبارها مخالفة لمنطق حركة الشعوب الطبيعية، فمشروع اسرائيل كدولة دينية «دولة يهودية» تلقى ضربة عالمية ستظهر آثارها لاحقا وتباعا، فالعالم لم يعد يقبل مبررات جريمة الحرب ( الاحتلال والاستيطان ) المستمرة بحق الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 65 عاما بحجة أن اسرائيل هي وطن اليهود في العالم، كما ان ذات العالم لن يقبل التعامل مع انظمة جديدة، توظف مفاهيم ورموزا دينية لاحياء دكتاتورية جديدة لا تختلف الا من حيث الشكل عن سابقاتها، فالاحتلال الاستيطاني جريمة ضد الانسانية، وكذلك الدكتاتورية كعدو للفكر والسلوك الانساني، ومانع سلبي يهدد تطورهما الطبيعي.نرتكز في هذه الرؤية على أن فلسطين هي مركز ومحور الحركة السياسية العربية، فالمحيط العربي بعد نيل فلسطين لعضوية الدولة، لن يكون هو نفسه المحيط العربي الذي كان قبل التاسع والعشرين من نوفمبر 2012، شكلا ومضمونا، فدولة فلسطين في الأمم المتحدة ستكون رافعة للأحزاب الوطنية والقومية والتقدمية واليسارية والعلمانية، انصار الدولة الديمقراطية المدنية، خاصة وان الرئيس ابو مازن أكد في خطابه في هذا اليوم التاريخي على وثيقة الاستقلال الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 تشرين الثاني عام 1988 كمرجعية دستورية لدولة فلسطين الوليدة، بما حملته من مضامين تشكل علامة مضيئة، وفارقة في مسيرة الأمة العربية نحو الحرية والديمقراطية ... فدول العالم التي صوتت بنعم، وكذلك ال41 الممتنعة ومعظمها اوروبية تعرفنا جيدا - حتى الثلاثي الأساس من دول الضد اسرائيل والولايات المتحدة الأميركية وكندا على يقين بأن النظام السياسي الفلسطيني بتجربته الفريدة في المنطقة - رغم ارهاب الاحتلال والتهويد والاستيطان – استطاع اقناع حكومات دول العالم بجدارته وانسجامه مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة – رغم واقعة الانقسام، اذ برهنت القيادة الفلسطينية على حكمتها وصوابية قراراتها في التعامل مع الوضع الناشئ، وقدرتها على تجنيب الشعب الفلسطيني انعكاساته الخطيرة، ومنعت اسرائيل وقوى اقليمية من استخدام الانقسام لاغتيال المشروع الفلسطيني، واكثر من هذا، فان الحركات الفلسطينية ذات المرجعيات والمسميات الدينية، رآها العالم وهي تؤيد رئيس الشعب الفلسطيني ابو مازن وقيادة منظمة التحرير في معركة الدولة في الأمم المتحدة كحركتي حماس والجهاد الاسلامي، ومشاركتهما في اجتماعات الاطار القيادي كخطوة نحو انضمامهما الى منظمة التحرير، التي ثبت قرار الأمم المتحدة مكانتها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وهكذا تكون حركة التحرر ذات الهوية الفلسطينية والمرجعية الوطنية والقومية والانسانية قد قدمت أملا للشعوب العربية وبعض الشعوب في منطقة الشرق الأوسط مثل «ايران» بأن الحرية نزعة انسانية شاملة لا تقتصر على أتباع دين او مذهب او طائفة، وان الديمقراطية منهج مستقيم ترقى الشعوب الحرة بتطبيقاته النقية .قدمت فلسطين نموذجا في كفاحها ضد دكتاتورية الاحتلال، وتقدم سوريا نموذجا في ثورتها على دكتاتورية انظمة اغتصبت حقوق المواطنين واستخدمت المعركة القومية لقمعهم، وتتجه كل من تونس وليبيا ومصر نحو مستقر، سيكون بالتأكيد دولة مدنية تحررية ديمقراطية تعددية، ولهم في فلسطين مثال يحتذى رغم دكتاتورية الاحتلال .