نعرف عيوب اقتصادنا الوطني، وكشف وباء الكورونا بشكل أكثر وضوحًا هذه العيوب، وبعيدًا عن الظرف الموضوعي، باعتبارنا دولة تحت الاحتلال، واقتصادنا يسيطر عليه بِشكلٍ كبير هذا الاحتلال، فإن الكورونا قد يتيح لنا فرصة لإعادة النظر بمعظم أنماط اقتصادنا الوطني، وبالتالي إعادة هيكلة هذا الاقتصاد وتحويله من واقعه الريعي إلى واقع الاقتصاد المنتج.

أنا لست خبيرًا اقتصاديًا، لكنني مواطن متابع وأرى الإيجابيات والسلبيات في أدائنا الاقتصادي، منذ تأسيس السلطة الوطنية عام 1994 وحتى الآن، من دون شك أننا نجحنا في تقليل اعتمادنا على المنتج الإسرائيلي، ولكن ليس بالقدر المطلوب والذي كان ممكنًا خصوصًا في مجال الإنتاج الزراعي، فأغلب غذائنا من الفواكه والحبوب تحديدًا هو من السوق الاسرائيلية.

بالتأكيد أن كلمة "لو" لا تسمن ولا تغني من جوع. ولكن لو لم يحصل الانقسام، وفصل قطاع غزة، لكان من الممكن أن نكون في واقع اقتصادي أفضل، خصوصًا أن أول اكتشاف للغاز شرق المتوسط، قد كان قبالة ساحل غزة. ونذكر هنا أن السلطة الوطنية قد وقعت اتفاقًا مع شركات تنقيب واستخراج دولية، وكان العمل قد بدأ، إلا أن الانقسام أجهض هذا الجهد الذي كان من الممكن أن يسهم بإحداث انقلاب إيجابي في الاقتصاد الوطني.

فرصة الكورونا تجعلنا نعيد النظر في أولوياتنا الاقتصادية. باعتبار الاقتصاد هو المدخل الحقيقي للاستقلال السياسي. أولى هذه الأولويات أن نعمل على إنتاج غذائنا أو أغلبه على الأقل، عبر دعم المشاريع الإنتاجية الزراعية والحيوانية ومصانع الإنتاج، وحفظ ما ننتجه. هناك مساحات واسعة من الأرض غير مزروعة، والتي نحتاج إلى وضع الخطط بشأنها، كيف وما هو المناسب زراعته فيها. لدينا قصص نجاح في زراعة النخيل، وأصبحنا نصدر لدول كثرة أفضل أنواع التمور. وهناك حاجة لزيادة المساحة المزروعة، من الزيتون وتحسين ظروف زراعته وقطفه وإنتاج زيته.

لدينا فرصة لاستغلال فصل الشتاء بزيادة رقعة الأرض المزروعة إلى اقصى حد، وهي زراعة لا تحتاج إلى ري، لماذا لا ندعم كل مزارع يريد استصلاح مزيد من أرضه البور، ونتعاون معه ومع كل المزارعين في وضع خطط ننوع خلالها محاصيلنا بحيث لن يكرر المزارع المحاصيل ذاتها، ويقل سعرها وتهدر، والأمر ذاته بالنسبة للإنتاج الحيواني، الأغنام والأبقار والدواجن وغيرها. هناك إنجازات قد تحققت في هذا المجال، ولكن يمكن عمل المزيد.

وبما أن الاقتصاد هو في نهاية الأمر تعاون وفرص وفتح آفاق جديدة، فإن مهمة الدولة، وبالتعاون مع القطاع الخاص، أن توفر الأسواق لما يزيد عن حاجتنا، وهذا يتم عبر مزيد من الاتفاقيات التجارية، والتعاون الاقتصادي، والتبادل التجاري مع الدول الأخرى، بهدف تحقيق الاستقلال التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي.

إن المهمة الرئيسية وأولوية الأولويات هي الانتقال باقتصادنا من اقتصاد ريعي، إلى اقتصاد منتج يدمج كل قطاعات الشعب في عجلة إنتاجية. وبهذا يمكن نضع حدا لِضياع جهد قسم مهم من عمالنا في عملهم في سرطان المستعمرات، لدينا فرصة ولدينا الإنسان الذي هو الوسيلة والغاية.

هناك فرصة يمكن أن تولد من رحم التجربة القاسية مع الكورونا، خصوصًا أننا نجحنا في إدارة الأزمة، فلماذا لا ننجح في خلق إدارة اقتصادية ناجحة.