تباهى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو "بنجاح" عدوانه قطاع غزة لكن الأيام الخمسين للعدوان قد تكلفه الكثير على الجبهات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
وتقول استطلاعات الرأي ان شعبية نتنياهو تراجعت بعد عملية "الجرف الصامد" بينما هاجمه "الصقور المتشددون" في حكومته لقبوله وقف اطلاق النار.
وحاول نتنياهو مساء الأربعاء الدفاع عن نفسه ، في أول تصريح له منذ اعلان وقف اطلاق النار مساء الثلاثاء مؤكدا عدم تقديم تنازلات مقابل الهدنة.
وقال ان "حماس لم تحقق ايا من مطالبها مثل بناء ميناء ومطار ورفع كلي للحصار وهذه كانت مطالب اساسية للحركة وتم تأجيلها مدة شهر حسب بنود وقف اطلاق النار.
وحذر مقربون من نتنياهو من ان اسرائيل ستعارض بناء ميناء أو مطار وطالبوا بالسيطرة الشديدة على ادخال مواد البناء لقطاع غزة لعدم استخدامها لحفر الأنفاق أو انتاج الصواريخ.
وتعهدت اسرائيل بعد الاتفاق بتخفيف الحصار الذي يخنق القطاع واقتصاده.
وعلى الصعيد العسكري، "تباهى نتنياهو بتدمير أكثر من ثلاثين نفقا بالاضافة الى مقتل نحو 1000 مقاتل من حماس (من أصل 20 الفا حسب خبراء) بينهم قادة جناحها العسكري بالاضافة الى اداء نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ الذي بلغت نسبة نجاحه 90% حسب الجيش الاسرائيلي".
ويقول مارك هيلير الباحث في معهد دراسات الأمن القومي ان هناك "انتصارا صغيرا عسكريا لكن ليس استراتيجيا" مشيرا الى ان "نجاح حماس الوحيد هو تمكنها من البقاء".
ورغم القصف العنيف، تمكنت الفصائل الفلسطينية حتى اللحظات الأخيرة من اطلاق الصواريخ على اسرائيل ما دفع بمئات الآلاف من الاسرائيليين الى الملاجئ حتى انها بلغت تل ابيب، كما ارغمت الصواريخ سكان جنوب اسرائيل على مغادرة منازلهم.
كما ان مطار بن غوريون شكل هدفا وتسبب سقوط قذائف على مناطق قريبة منه اواخر تموز في اغلاقه لساعات، واعتبرت المقاومة ذلك "انتصارا كبيرا".
ولكن ايال زيسر من معهد موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وافريقيا التابع لجامعة تل ابيب اكد ان هذا لا يمكن تحويله الى مكاسب سياسية لحركة حماس "فمن الناحية السياسية، لم تحصل الحركة على أي شيء. وهناك فرصة ضئيلة جدا ان تحصل في غضون شهر على أي شيء مثل بناء ميناء أو مطار في غزة".
وتابع ان "الأضرار في قطاع غزة كبيرة للغاية لدرجة انه من الصعب ان تقوم حماس باستئناف القتال حتى لو تم رفض مطالبها".
واقتصاديا، قدر خبراء كلفة العملية العسكرية، وهي الثالثة في غضون ست سنوات، والأطول بنحو ثلاثة أو اربعة مليارات دولار.
وطالبت وزارة جيش الاحتلال بزيادة بحجم هذه المبالغ لتجديد مخزونها من الأسلحة وشراء بطاريات جديدة للقبة الحديدية وتطوير الأنظمة الخاصة بالكشف عن الانفاق واعتراض القذائف.
وفي حال اذعان الحكومة لضغوط اللوبي العسكري القوي، فان هذا يعني اقتطاعا في الميزانيات وزيادة الضرائب.
ودبلوماسيا، فان التحالف مع واشنطن الذي يعتبر حجر الزواية في السياسة الخارجية، تأثر سلبا للغاية. فاستخدام اسرائيل للوسائل العسكرية بهذا الحجم والخسائر الجسيمة في صفوف المدنيين والانتقادات اللاذعة التي وجهها مسؤولون اسرائيليون لوزير الخارجية الأميركي جون كيري ادت الى ازدياد التوتر في العلاقات الصعبة أصلا مع واشنطن.
واعتبر 54 في المئة من الاسرائيليين ان أيا من الطرفين لم ينتصر بينما رأى 26% ان اسرائيل انتصرت في المعركة مقابل 16% يعتقدون ان حماس خرجت منتصرة.
وتقييما لاداء نتنياهو في الحرب، اكد 50% من الذين شملهم الاستطلاع انهم مرتاحون بشكل عام للطريقة التي ادار بها عملية "الجرف الصامد" التي بدأت في 8 من تموز الماضي، مقابل 77% قبل ثلاثة اسابيع. كما أشار استطلاع آخلا للرأي الى ان 37 في المئة يؤيدون وقف النار، في حين اكد 54 في المئة معارضتهم ذلك.
واجتمع نتنياهو أمس برؤساء البلدات اليهودية في الجنوب وما يسمى بـ"غلاف غزة"، لوضع خطة إعادة ترميم ما خلفته صواريخ المقاومة.
وقال رئيس المجلس الإقليمي مرحافيم، شاي حجاج: "قلنا لرئيس الحكومة اننا نتوقع منه ومن حكومته إعادة الترميم بأسرع ما يمكن، وأن توفر الحكومة مظلة اقتصادية للسلطات المحلية وتدعم كل البلدات التي تبعد حتى 40 كيلومترا عن حدود قطاع غزة بكل ما تستطيع، ونتمنى أن تفعل ذلك فورا وبدون تلكؤ". أما نتنياهو فرد قائلا: "سنقوم يوم الأحد بإحضار رزمة مساعدات لسكان غلاف غزة، وبعدها للجنوب عامة".
وانقسمت الآراء في الاجتماع بين داعم لنتنياهو ومعارض له، وافتتح نتنياهو حديثه معهم بالقول إن" حماس تلقت ضربة قاسية"، لكنهم أجابوا أنهم يأملون أن ترد الحكومة بقوة حتى ولو أطلقت قذيفة واحدة. وقال حجاج: "رئيس الحكومة تلقى دعما فاق توقعاته خلال الحرب، لكن يوجد غضب على وزرائه المقربين وأعضاء الكابينيت الذين تكلموا وانتقدوا في الإعلام في الوقت الذي يحارب جنودنا في غزة".
أما رئيس بلدية عسقلان، إيتمار شمعوني، فامتنع عن الحضور احتجاجا على قرار الحكومة الاسرائيلية عدم إعادة ترميم مدن الجنوب خاصة عسقلان التي تلقت ضربات قاسية أتلفت الممتلكات والبنى التحتية. وقال غاضبا: "وضعنا خطة سنوية شملت ربح 150 مليون دولار من بيع 80 قسيمة بناء، افتتحت المناقصات قبل الحملة العسكرية بأيام، وبسببها هرب المقاولون ولم يشتروا أي شيء، لست ادري كيف سنصلح ما دمرته الحرب إذا فقدنا دخلنا ولم تساعدنا الحكومة؟".
وأضاف شمعوني: "كل العالم يتحدث اليوم عن إعادة إعمار غزة وإدخال المساعدات الإنسانية ومواد البناء إليها، فتح المعابر وتوسيع منطقة الصيد، بينما لا يذكر أحد مدن جنوب إسرائيل، لا أحد يذكر إعادة إعمار المدن الإسرائيلية ولن يفعلوا بالتأكيد، على حكومة إسرائيل تعويض مواطنيها الذين قبعوا شهرين تحت القصف، مثل منحهم أولوية الاستثمارات في البنى التحتية وتقليص الفروق الاجتماعية والبناء، حتى نتمكن من تقوية النسيج المجتمعي ليصمد في الجولة القادمة أكثر، لكن في هذه الدولة يفعلون عكس ذلك".
وتابع: "بعد يوم من انتهاء الحرب أجد نفسي أركض خلف مكاتب الحكومة وأتوسل إليهم لمساعدتنا في ترميم المدينة، في الوقت الذي يجب على الحكومة أن ترى أن واجبها فعل ذلك، أنا أطالب الحكومة بعقد جلسة هنا ووضع عسقلان وباقي الجنوب على سلم أولوياتهم".
وقال رئيس بلدية أوفاكيم، إيتسيك دانينو: "تعلمنا تقييم الأمور بعد حصولها، بعد عدة سنوات سنقيم ونفهم ماذا حصل حقا لحماس في الشهرين الأخيرين. سيتكلمون كثيرا عن هذه الحرب على المستوى العسكر والسياسي، وأيضا على مدى جاهزية الجبهة الداخلية ومناعتها، ما علينا فعله هو البقاء متماسكين، وأثق تماما أن رئيس الحكومة تأثر من كم الدعم الذي تلقاه في الجلسة".
أما رئيس المجلس الإقليمي شدوت نيجيف فقال: "نحن لا نثق بهذه الاتفاقات، ما نعيه تماما اننا خضعنا للإرهاب".
وقال رئيس جهاز الشاباك الأسبق يوفال ديسكين إن اتفاق وقف إطلاق النار ساهم في ارتفاع نسبة الإحباط في قلوب الإسرائيليين وذلك في أعقاب عدم حسم المعركة عسكريا.
وأضاف ديسكين في منشور على صفحته على الفيسبوك أمس "إن الضربات الجوية والبرية ومكافحة أنفاق حماس لم تردع التنظيم بعد؛ فلا يزال بإمكانه تهديد إسرائيل من الجنوب وحتى مشارف حيفا شمالا".
وقال ديسكين: "سنشهد خلال الفترة القادمة حملة مركزة لمحاولة تسويق النصر عسكريا وذلك حسب وجهة نظر وزير الجيش موشي يعلون عندما قال إن "إسرائيل قامت بإعادة تصميم قوة الردع في محاولة لإقناع الجمهور ان حماس ليست في وارد فتح معركة جديدة وأن المعركة السابقة ألحقت بها هزيمة نكراء ولا قوة تها على المزيد".
وأضاف "لن أتردد في نسف شعور الانتصار هذا؛ فالواقع مغاير، وتجربتي الحياتية علمتني أنه لا يوجد نصر لمرة واحدة أو خسارة لمرة واحدة فمن شاهد إخلاء بلدات بأكملها بالجنوب سيكون من الصعب عليه الاقتناع بقوة الردع".
ولفت ديسكين إلى أن انعدام الحسم العسكري على مدار 50 يوما مع منظومة مسلحة وعلى مساحة جغرافية محدودة سيفتح شهية باقي المنظمات الإسلامية المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط كحزب الله وداعش، لأنها رأت كيف عجز الجيش الأكثر تطورا عن هزيمتهم.
وللخروج من المأزق دعا ديسكين إسرائيل "إلى تبني أفق سياسي واضح تجاه المناطق الفلسطينية وحبذا لو تم ذلك بناء على المبادرة العربية وذلك لسحب البساط من تحت حركة حماس لأنه في حال عدم تبني أي خيار سياسي فمسألة المواجهة القادمة مع حماس مسألة وقت، وعليه فالمبادرة السياسية ضرورية لتحويل نتيجة الحرب من التعادل إلى النصر الواضح لصالح إسرائيل"، على حد وصفه.
تكلفة سياسية واقتصادية ودبلوماسية عالية تنتظر نتنياهو
29-08-2014
مشاهدة: 681
إعلام حركة فتح - إقليم لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها