بعيدا عن دائرة الضوء المسلطة على العدوان على غزة, تشهد القدس الشرقية المحتلة هجمة استيطانية مسعورة واحتجاجات ليلية عنيفة وحملة اعتقالات واسعة.
ووافقت بلدية الاحتلال في القدس أمس على مرحلة جديدة من خطة لبناء مدرسة دينية يهودية مؤلفة من تسعة طوابق في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة.
واشارت حركة السلام الآن المناهضة للاستيطان الى ان لجنة البلدية رفضت التماسا تقدم به عضو يساري في البلدية ووافقت على مرحلة جديدة من خطة لبناء البرج.
وقالت حاغيت اوفران لوكالة فرانس برس انه عند الحصول على موافقة لجنة التخطيط فانه من المتوقع بدء البناء العام المقبل. واضافت "قد يستغرق الأمر ستة أشهر الى سنة كاملة قبل الحصول على الموافقة النهائية ليبدأوا بالبناء".
وكانت اسرائيل اعلنت في شباط الماضي اعتزامها بناء المدرسة التي ستكون مدرسة دينية لليهود الارثوذكس المتشددين.
وكتب دانيال سيديمان - وهو محام إسرائيلي وخبير في التوسع الاستيطاني- على موقع تويتر "لك أن تتخيل رد الفعل إن أقيمت مدرسة إسلامية في القدس الغربية" واتهم السلطات الاسرائيلية "بتأجيج الوضع" بالمدينة.
وذكرت صحيفة "هآرتس" أمس ان وزارة الإسكان الإسرائيلية، ودائرة الأراضي، انهت تسويق الوحدات السكنية التي أعلنت عنها في نيسان الماضي في حي "غيلو" الاستيطاني، والتي أدت إلى تفجر المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية برعاية أميركية، وتطرق لها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في مداخلة أمام مجلس الشيوخ الأميركي.
وقالت الصحيفة ان "وزارة الإسكان أنهت الإثنين الماضي، تسويق 708 وحدات سكنية في حي غيلو الاستيطاني بأثمان زهيدة، تبلغ خمس الحد الأدنى الذي أعلنت عنه الوزارة في وقت سابق"، مشيرة إلى أن جمعية "حاردية" ستقوم ببناء الوحدات السكنية.
وذكرت وكالة "رويترز" في تقرير لها ان الشوارع تشهد اشتباكات مع شرطة ترتدي زي مكافحة الشغب وتداهم منازل في ساعات متأخرة من الليل في حملات تشبه تلك التي ينفذها جيش الاحتلال ويرشق محتجون سيارات إسرائيلية بالحجارة في أخطر تفجر للعنف في القدس منذ اندلاع الانتفاضة قبل عشر سنوات.
وقد تفجرت الاحتجاجات في تموز بعد استشهاد الفتى محمد أبو خضير حرقا في هجوم يحاكم بسببه ثلاثة يهود حاليا.
وتبرز هذه التوترات الانقسامات العميقة في مدينة تزعم إسرائيل بأنها "عاصمتها الموحدة".
وألحق المواطنون أضرارا بخط للسكك الحديدية في القدس يربط بين الأحياء العربية واليهودية وكانت تصفه سلطات الاحتلال يوما بأنه رمز للتعايش. وخرجت ثلث القاطرات من الخدمة.
وقالت شرطة الاحتلال إن "الحملات الأمنية في القدس الشرقية أسفرت عن اعتقال أكثر من 600 فلسطيني منهم 150 حدثا". وأطلق سراح معظمهم بكفالة أو فرضت عليهم قيود بشكل أو آخر.
ويقول محاموهم وأسرهم إن المداهمات لا تمثل تنفيذا للقانون وإنما تشبه الأساليب العسكرية العنيفة التي يتبعها جيش الاحتلال بالضفة.
وقال ديمتري دلياني الناشط في مجال الحقوق الفلسطينية بالقدس الشرقية "الأسلوب الذي تتعامل به الشرطة يشعل مناطق كانت من قبل هادئة.. يظنون أن تصعيد الاعتداءات والضغوط النفسية تخمد الانتفاضات لكنها في الحقيقة تزيد غضب الناس".
وقال ميكي روزنفيلد المتحدث باسم شرطة الاحتلال إنه بعد "اضطرابات واسعة النطاق في أحياء مختلفة ألقي القبض على مشتبه بهم كانوا جميعا ضالعين بشكل مباشر في الاشتباكات مع الشرطة ومنهم من ألقى حجارة أصابت جنودا".

احتدام الموقف
ويمثل الفلسطينيون نحو 40 في المئة من سكان القدس البالغ عددهم 800 ألف نسمة. وهم يحملون بطاقات هوية إسرائيلية "تمنحهم بوصفهم سكان مدينة تعتبرها إسرائيل جزءا منها نفس الحقوق المدنية والخدمات المدعومة من الدولة الممنوحة للمواطنين الإسرائيليين".
لكن كثيرين يرون أن البناء الاستيطاني في مناطق القدس والقيود التي تفرضها على دخول المسجد الأقصى بالمدينة القديمة - والتي تزعم إسرائيل انها لاعتبارات أمنية- محاولات لتغيير طبيعة المكان.
وقال مئير مارجاليت العضو الإسرائيلي السابق بمجلس المدينة "لا يبدو أن هناك إرادة لدى رئيس البلدية ومجلس المدينة لمعالجة الأسباب الجذرية للاستياء الفلسطيني من فقر وإزالة للمنازل ومن مستوطنات ومصادرات للأراضي".
وبعد أن أحرق يهود متطرفون الفتى محمد أبو خضير (16 عاما) حيا في الثاني من تموز اندلعت اشتباكات لأيام بين المقدسيين وشرطة الاحتلال في منطقته بالقدس الشرقية.
وتعرض طارق خضير وهو قريب محمد ويحمل الجنسية الأميركية للضرب المبرح واعتقل خلال الاحتجاجات ما أثار انتقادا شديدا من قبل الولايات المتحدة. وأودع مواطن آخر يحمل الجنسية الأميركية هو محمد أبو نية (15 عاما) السجن منذ شهرين بتهمة الاشتراك في الاحتجاجات وحمل سلاح أبيض وهو ما تنفيه أسرته.
وقال شقيقه خليل لرويترز إن الشرطة ضربت محمد واستجوبته في غياب أحد من أسرته أو محاميه في انتهاك للقانون الإسرائيلي الخاص بحقوق المحتجزين القصر.
ونفى روزنفيلد المتحدث علمه بأي انتهاكات وقال إن "الهدف من وجود أفراد الشرطة في القدس الشرقية واستخدامهم أقنعة تخفي وجوههم هو حماية الجنود من الخطر".
واندلعت معظم المواجهات بالقدس في السنوات الأخيرة في الحرم القدسي.
واعتقل معاذ إدريس (30 عاما) هذا الشهر أثناء اشتباكات مع شرطة الاحتلال عند الحرم.
واحتجز إدريس أسبوعا ووضع رهن الإقامة الجبرية بالمنزل أسبوعا آخر ومنع من زيارة الحرم شهرا. وقال "الوضع مروع في المدينة.. أسوأ من أي وقت مضى".