كل محاولات استخلاص العبر والدروس السياسية، فلسطينياً، من نتائج حرب الجرف الصامد الهمجية العدوانية الإسرائيلية، ما زالت اجتهادات متعرجة، تقع بين الإيجابيات والسلبيات، بين الإنجاز والإخفاق، وما بينهما، ولكن ماذا بشأن العدو الإسرائيلي نفسه ؟ هل ثمة متابعة من جانبنا للتدقيق في كيفية معالجة نتائج حروبهم وحملاتهم العدوانية ضد الشعب العربي الفلسطيني، وكيفية استخلاص الدروس وخزن التجارب والتعلم من الأخطاء ؟؟.
المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية والبرلمانية الإسرائيلية، مستنفرة الآن، لمعالجة آثار حربهم الأكثر شراسة وعدوانية على قطاع غزة، من كل الحروب السابقة، بالاتجاهين:
أولهما: التصدي للمحاولات الفلسطينية والعربية والدولية لتشكيل لجان تحقيق دولية في جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني وضد مدنييه ومستشفياته ومدارسه، وضد كل شيء حي يتحرك على أرض القطاع، في محاولة لقتل الحياة على أرض فلسطين في قطاع غزة المنكوب بالشهداء وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المشردين بلا مأوى.
يشككون في تشكيل اللجان، ويشككون في أشخاصها وشخصياتها ويطعنون سلفاً بمهنيتهم وضمائرهم لسببين : أولاً لدفعهم نحو التراجع، وعدم قبول التكليف لعضوية هذه اللجان الدولية ذات الطابع الإنساني والقانوني، وثانياً لإرهابهم كي يكونوا حذرين في أحكامهم ضد إسرائيل، وصولاً إلى نتائج باهتة توفر للمجرم فرصة الهروب من عقاب جريمته، وعدم إدانته بالجرم الذي اقترفه.
ومن الاقتراحات الإسرائيلية المقدمة، لمقاطعة اللجنة الدولية التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والتي سيرأسها البرفيسور وليم شباس، بهدف التحقيق في جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي التي اقترفها بحق أهالي قطاع غزة، هي ذلك الاقتراح الذي دعا له مايكل أورون السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، وطلب تبنيه الصحافي بن كسبيت، في معاريف يوم 13/8/2014، ويتضمن تشكيل لجنة تحقيق إسرائيلية، من قبل حكومة نتنياهو، لفحص أحداث ووقائع الجرف الصامد، ويقول "عندما تتشكل مثل هذه اللجنة، وتؤدي دورها، تُعطل دور الهيئات القانونية الدولية للأمم المتحدة، ويحتمل بدلاً من أن تسرق الأمم المتحدة شرعيتنا، نسرق نحن عرضها، ونعطل عليها هدفها".
وثانيهما: تصدي نتنياهو، ووزير الحرب يعالون، وقائد الجيش غينتس، للجان التحقيق الداخلية التي تستهدفهم والنيل من خياراتهم وأدائهم، سواء تلك التي بادر لها زئيف ألكين الليكودي رئيس لجنة الأمن والخارجية في الكنيست، مع النائب داني دانون نائب وزير الحرب الذي أقاله نتنياهو، أو تلك التي شكلها مراقب الدولة، أو غيرها من اللجان والمطالبات التي تطعن بالفريق الذي قاد الحرب ضد قطاع غزة.
وسواء كانت النتائج لصالح الثالوث المتطرف : نتنياهو – يعالون – غينتس، أو ضدهم، ولكن هذا يعني أن لا محرمات لديهم، وأن لا شيء محصنا عندهم، وأن ما يفعلونه يتم وضعه على المشرحة، هل هو لمصلحة مشروعهم الاستعماري وأمنه، أم إضعاف له وإرباك لمكانته ؟؟.
لنتذكر لجنة التحقيق في حرب أكتوبر 1973، التي أطاحت بغولدا مائير وأبعدتها، ولجنة التحقيق بحرب الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان 1982 والتي أطاحت بشارون وأقالته، ما يعكس حيوية المجتمع الإسرائيلي وتوقفه أمام الإنجازات والإخفاقات، فالإنجاز للشخص هو واجبه الذي لا يستحق الشكر عليه، لأنه عمل وتطوع من أجل تحقيق الإنجاز، وهي لا تجعل منه نبياً مقدساً، بينما الإخفاق يتحمل مسؤوليته وحده، ويدفع الثمن بإبعاده عن مصدر صنع القرار لأنه غير مؤهل ليتحمل المسؤولية، وهذه إحدى مقومات القوة لدى المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وتفوقه.
جرت حروب عربية وفلسطينية، ولم نسمع ولو لمرة واحدة محاكمة شخص على أخطاء ارتكبها، أو خيارات غير صحيحة قبل بها أو انحاز لها، فالقائد والمسؤول العربي لا ينتهي عن مسؤوليته وقيادته وموقعه إلا بالموت الطبيعي، أو بالاغتيال، وهذا أحد أهم أسباب التخلف وعدم الإنجاز ومواصلة دفع الثمن في الجانب العربي عموماً، ولدى الجانب الفلسطيني خاصة، بدون مراجعة وتدقيق وتوقف، فالانقلاب الذي اجتاح قطاع غزة في حزيران 2007، ودفع ثمنه الشعب الفلسطيني، بسقوط ضحايا وتأخر مسيرة النضال، انتهى بالمصالحة يوم 23 نيسان، وتشكيل حكومة رامي الحمد الله يوم 2 حزيران 2014، بعد استقالة حكومة إسماعيل هنية الحزبية ذات اللون الواحد، هو أبرز دليل صارخ على عدم الإحساس بالمسؤولية.
لا فتح شكلت لجنة تقييم وتدقيق وتحقيق عما جرى لاستخلاص الدروس والعبر من هزيمة نظامها السياسي أمام حركة حماس، ولا حركة حماس شكلت لجنة مماثلة لتقييم تفردها وقرار حسمها العسكري ضد الشرعية الفلسطينية، وها هي فتح وحماس، تعودان للعمل المشترك، بعد أن أخفقتا كل منهما في خيارها الأحادي، لا طريق المفاوضات أوقف الاستيطان في الضفة والقدس والغور، ولا حقق خطوات على طريق استعادة الشعب العربي الفلسطيني حقوقه المشروعة في قضيتي العودة وفق القرار 194، والدولة وفق القرار 181، كما أن حماس أخفقت في أن تقدم نفسها نظاماً بديلاً في غزة لنظام رام الله، ولا أداء حكومة حماس أفضل من أداء حكومة فتح، فالحال من بعضه، من حيث الإخفاق، وعدم التقدم خطوات ملموسة على الأرض في وجه الاحتلال.
على الشعب العربي الفلسطيني ومجتمعه وأحزابه وشخصياته، أن يتعلموا من عدوهم، لأن التضحيات والنضال الفلسطيني وعدالة المطالب الفلسطينية المشروعة، إذا لم تكن مصحوبة بأداء أفضل من أداء المجتمع الإسرائيلي وأرقى منه، لن يتحقق الانتصار لفلسطين، هذا ما يجب أن يعرفه الشعب الفلسطيني وقواه الحية اختصاراً للطريق، وتقديراً للتضحيات، واختزالاً للزمن وللخسائر.
هل نتعلم من عدونا؟/ بقلم حمادة فراعنة
18-08-2014
مشاهدة: 837
حمادة فراعنة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها