حرب "الجرف الصامد" المتواصلة منذ قرابة الاربعين يوما ضد قطاع غزة أماطت اللثام عن عمق ازمة الدولة الاسرائيلية؛ وأظهرت هشاشة ركائزها ومكوناتها السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وقبل تسليط الضوء على مفاصل الازمة الاسرائيلية، يفترض بالمراقب، وهو يقرأها، ان لا ينسى بان موازين القوى ما زالت تميل بشكل شبه مطلق لصالحها؛ وان الولايات المتحدة والغرب عموما ما زالوا يمدونها بكل مقومات العدوان على الشعب الفلسطيني؛ كما ان اهل النظام العربي، لم يتمكنوا حتى اللحظة من امتلاك قرارهم السياسي والاقتصادي، ويواصلون التخندق في دائرة المحوطة والتبعية للغرب وخاصة اميركا، ويرتبطون باتفاقيات وعلاقات سياسية ودبلوماسية وتجارية مع إسرائيل، وهو ما يمدها بالمزيد من عوامل القوة، وادارة الظهر للحقوق الوطنية.
مع ذلك فإن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية انكشف ظهرها امام اي مراقب، ومن مظاهر الازمة: اولا فشل الحكومة في تحقيق اهداف حربها المعلنة السياسية والعسكرية، ولا يعود السبب في عدم وضوح وتحديد الاهداف المرادة من الحرب المسعورة، وانما السبب في عدم تمكن المؤسسة العسكرية من تحقيق تلك الاهداف، ما ادخلها ( الاهداف) في دائرة الالتباس والضبابية والاضمحلال. وهذا يعني في المعادلات العلمية هزيمة بكل المعايير امام قوة اذرع المقاومة، التي واصلت الدفاع عن ذاتها وشعبها في المحافظات الجنوبية من الوطن الفلسطيني حتى الآن (اي كانت الملاحظات على النتائج والتضحيات الجسام، التي قدمها ابناء فلسطين في قطاع غزة)، واعلنت جاهزيتها لمواصلة القتال؛ ثانيا افتضاح قدرات جيشها الضعيفة بشكل عميق، حيث فشل بكل اسلحته الجوية والبرية والبحرية من تحقيق اهداف الحرب المتواصلة، وترافق ذلك مع فشل قدرة اجهزتها الاستخبارية. نجم عن ذلك عدم تقدم الجيش في محافظات القطاع بسبب ضعف وتراجع بنية القدرات العسكرية للجيش. وهنا يفترض بالمراقب أن يلاحظ، انه كلما زاد اعتماد الجندي والضابط على مشتقات ثورة الاتصالات والمعلومات، وزاد اعتمادهم على الانترنت واجهزة الحاسوب، كلما تراجعت قدرات الجيش القتالية، وبات اسيراً لها، وتخلى عن لياقته العملياتية. هذا العامل يحتاج الى مزيد من التدقيق والمراقبة؛ ثالثا هشاشة البنية الاجتماعية والمعنوية الاسرائيلية. حيث كشفت الحرب عن رعب في اوساط الاسرائيليين ليس فقط في المستوطنات المقامة في غلاف القطاع، بل في اوساط كل المجتمع الاسرائيلي داخل تل ابيب وحيفا وداخل المستوطنات المقامة على الاراضي المحتلة عام 1967. والتظاهرة التي خرجت مساء الخميس في اسرائيل كشفت عن عمق الهوة بين جاهزية المجتمع الاسرائيلي وبين الاهداف السياسية والعسكرية لأية حروب تشنها اي حكومة على الفلسطينيين او اللبنانيين او اي من العرب في حال توفرت ارادة الدفاع والصمود؛ رابعا الخسائر الاقتصادية العالية، التي حملت موازنة الحكومة راهنا والعام المقبل عبئا ثقيلا، سينجم عنها عجز جلي. ويمكن التقدير بان حجم الخسائر في مجالات الحياة المختلفة بلغ قرابة الاربعة مليارات دولار اميركي. وهذا ايضا يكشف عن انتفاء التناسب بين الخسائر الاقتصادية والاهداف السياسية والعسكرية، لا بل ان الخسائر على كل الصعد والمجالات؛ خامسا فقدان اي دعم دولي، وانكشاف الوجه الفاشي لدولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، وتصاعد عملية العزلة الاممية لها، والملاحقة القضائية لقادة اسرائيل السياسيين والعسكريين. وايضا تنامي الدعم للشعب العربي الفلسطيني وقضيته؛ سادسا كشفت الحرب الاخيرة عن عامل مهم جدا جدا، ان دولة التطهير العرقي الاسرائيلية لا تستطيع العيش بسلام ودون حروب، الامر الذي يضع علامة سؤال كبيرة على مستقبل بقائها في المنطقة، ومدى انسجامها وانخراطها في نسيج الجيوبوليتك للامة العربية وشعوبها. وايا كانت تحالفاتها والقوى الداعمة لها دوليا، فإنها تؤكد انها دولة خارجة على القانون، وزائدة عن الحاجة في جغرافيتها وديمغرافيتها.
يمكن لقادة اميركا والعالم وإسرائيل ان يتحدثوا ما شاءوا عن قدراتها النووية والتسليحية وتطورها البحثي والعلمي، غير ان كل هذا التطور لا يؤمن لها التعايش والبقاء في المنطقة، لأنها ترفض خيار السلام والتعايش، وتريد ان تبقى دولة مارقة وخارجة على القانون، وهو ما لا يمكن للشعب العربي الفلسطيني وللشعوب العربية القبول به مهما ارتضت القيادات العربية الرسمية هذا الواقع البائس والمذل.
ازمة إسرائيل/ بقلم عمر حلمي الغول
18-08-2014
مشاهدة: 1170
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها