لا تحتاج الجماهير الوطنية الواعية والمنظمة لأوامر لتبادر إلى واجباتها ومهامها في اللحظات المصيرية، كما لا تحتاج إلى رؤية وسماع خطابات نارية من بعيد، فالجماهير في المكان والزمان المناسبين تصنع الإنجاز الوطني، وهذا ما فعله الفلسطينيون المقدسيون، لكن أن يستغل فرع فلسطين لجماعة الإخوان المسلمين المسمَّى "حماس" فتحَ باب الرحمة للمسجد الأقصى لإقامة صلاة غائب على تسعة مصريين من عناصر الجماعة قضت محكمة مصرية بإعدامهم بسبب مشاركتهم وتنفيذهم جريمة قتل النائب العام المصري هشام بركات فهذا ليس دليلاً دامغًا على عمق الروابط الوثيقة بين قيادة الجماعة وفرعهم في فلسطين المسمَّى "حماس" وحسب، بل برهانًا ماديًّا على كذب رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية الذي أعلن في لقاء مع صحف مصرية انعدام صِلة فرعه الإخواني المسمّى "حماس" بجماعة الإخوان المسلمين.
صلاة الغائب التي أقامها منتسبو وأنصار "حماس" في المسجد الأقصى وأرادوا من خلالها سرقة مشهد الانتصار الوطني الفلسطيني الذي حقَّقه الفلسطينيون المقدسيون بفتحِ باب الرحمة صلاةٌ مشبوهة ليست لله، وإنَّما لإرضاء أوثانهم وللتقرب من أصنامهم البشرية.
كلُّ النظريات والتنظيرات والنشاطات والدعوات السياسية مرفوضة في بيوت الله إلّا النداء من أجل الحُريّة، أمّا زج المسجد الأقصى والنضال الوطني الفلسطيني في صراعات فرع فلسطين لجماعة الإخوان وتوابعها مع الدول العربية وشعوبها وحكوماتها فهذا انعكاس لعقلية الإخوان الذين لا يرون في المساجد أكثر من مجرد مكان لتمرير تنظيرات قطبهم الشيطانية على العامة!
لم ولن تتزعزع ثقتنا بقدرة القيادتَين السياسية والأمنية في جمهورية مصر العربية على التمييز الدقيق بين تصريحات وأقوال أمير فرع الجماعة في فلسطين السياسي إسماعيل هنية وبين الحقائق والوقائع العملية على الأرض التي يعرفونها ونعرفها ويعرفها كل العالم، عن العلاقة العضوية والمصيرية غير الخافية على أحد ما بين قيادة الإخوان المسلمين وفرعها في فلسطين المستتر تحت اسم (حركة المقاومة الإسلامية).. وقد يقول قائل في موضع الدفاع عنهم إنَّ لا ثابت في السياسة وأنَّ الجماعة يتغيّرون، لكن ما نعرفه أيضًا أنَّ الثعبان ينسلخ من جلده كلّما زاد حجمه، لكنَّ المستحيل عليه البقاء حيًّا إن انسلخ عن دماغه وشرايينه، وهذا حال "حماس" فهي تستطيع تجديد جلدها – كصنعة أتقنها وبرع فيها الإخوان- أما دماغها فسيبقى إخونجيًّا، وستباشر فورًا تحت ضغط الظروف بإرجاعه إلى حقيقته بدون (رتوش الوَسَطيّة) التي يسوقها الإخوان المسلمون للتعمية على عنصريتهم وعدائيتهم للإنسانية وثقافتها وتحررها وتقدمها.
ما نريده من وسائل الإعلام المصرية التأني والتفكير مليّا قبل تحميل الشعب الفلسطيني وقضية العرب المركزية تبعات ارتباط "حماس" بجماعة الإخوان التي يعرفون ونعرف أنَّ المصريين الوطنيين قد أنقذوا مصر من براثنهم في اللحظات الأخيرة قبل تفجير لغم الاقتتال الطائفي في المجتمع المصري، فالزملاء يدركون جيّدًا دور "حماس" المرسوم بخطِّ القيادة الدولية للجماعة، كما يعلمون ونعلم أنَّ أمراء ومشايخ فرعهم في فلسطين لا يملكون إرادة الانفكاك عنها أو التحرُّر من سطوتها، ذلك أنَّ مبدأ الحرية والاستقلال في القرار الوطني كفر وحرام في تعاميمهم، ولا يملكون إلّا تنفيذ ما أُمِروا به، فدورهم كان مرسومًا سلفًا وساعدتهم استخبارات دولة الاحتلال (إسرائيل) في تقوية ساعدهم ليكونوا أدواتها في ضرب وطعن الحركة الوطنية الفلسطينية من الداخل، وليكونوا الجسر الذي سيتم تمرير مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية عليه، وما انخراط "حماس" المباشر في جبهة العداء الأميركية الإسرائيلية للحركة الوطنية الفلسطينية، وسباق قادتها السياسيين ومشايخها مع المستوطنين اليهود في مسارات الدعوة لقتل رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية أبو مازن، علاوة على حملاتهم المبرمجة للتشكيك بشرعية منظمة التحرير الفلسطينية وبرئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس أبو مازن عند كل إنجاز سياسي يحقِّقه لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته لدى المجتمع الدولي، ومع كلِّ لحظة تعمل فيها القيادة السياسية بحكمة واقتدار لتثبيت الوضع القانوني لفلسطين على خريطة العالم. نحن وطنيون فلسطينيون ملتزمون بمبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، ونؤمن أنَ الاستقرار السياسي والأمني ووحدة أي قطر عربي أرضًا وشعبًا وتقدُّمه وازدهاره الاجتماعي والثقافي يعزِّز عمقنا الاستراتيجي، ويقوي ركائز قضيتنا الوطنية، ويُثبت صحّة مسارنا التحرُّري التقدمي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها