معيار النصر والهزيمة في الحرب الاسرائيلية على المحافظات الجنوبية من شهر خلا، هو معيار نسبي. لانها حرب تكتيكية، واهدافها محدودة. غير ان نتائج الحرب، تقاس بمدى تحقيقها للاهداف المحددة لها، وقدرة الشعب الواقع تحت نيرانها على الصمود والمواجهة او عدم ذلك، وانعاكساتها (الحرب) السياسية والعسكرية، وتأثيراتها محليا وعربيا ودوليا.
لا يجافي المرء الحقيقة، حين يؤكد أن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية هزمت في حربها، رغم ايقاعها ما يقرب من اثني عشر الفا من الشهداء والجرحى في اوساط المواطنين الفلسطينيين، وتدمير نحو خمسة وثلاثين الفا من منازلهم، بين تدمير كلي وجزئي.
موازين القوى المختلة لصالح إسرائيل بشكل صارخ، لم تحل دون تمكن الفلسطينيين من تحقيق جملة من الانجازات والنتائج الايجابية وعلى اكثر من صعيد ومستوى، منها: اولا الانجازات السياسية: 1- تعزيز روح الوحدة الوطنية والشراكة السياسية، التي تمثلت بتشكيل وفد قيادي موحد وباهداف واحدة لادارة التفاوض مع حكومة اسرائيل عبر الاشقاء في مصر؛ 2- إسقاط منطق التشرذم والانقسام بين جناحي الوطن كليا؛ 3- تعاظم روح التكافل الوطني مع ابناء محافظات الجنوب في اوساط الشعب في الضفة بما فيها القدس، وفي داخل الخط الاخضر والشتات على حد سواء؛ 4- ترسيخ دور حكومة التوافق الوطني في تحمل مسؤولياتها الوطنية؛ 5- الصمود البطولي للمواطنين في قطاع غزة، رغم افتقادهم لمقومات الحياة، وانقطاع الكهرباء، ونقص المياة والغداء والنزوح الداخلي، الذي طال حوالي ثلث السكان، والاهم افتقادهم لابنائهم واقاربهم وجيرانهم نتاج هول الحرب الاسرائيلية المسعورة؛ 6- افتضاح جرائم الحرب الاسرائيلية امام اعين العالم كله، الامر الذي فرض على اصدقاء وحلفاء إسرائيل المارقة في الولايات المتحدة واوروبا إدانة ولو شكليا؛ 7 ? تشكيل لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة لجنة تحقيق اممية في جرائم الحرب الاسرائيلية؛ 8- اتساع دائرة التأييد والدعم العالمية في اوساط الرأي العام العالمي، وسحب العديد من دول اميركا اللاتينية سفرائها من اسرائيل، واتهامها بشكل واضح انها دولة ارهاب منظم؛ 9- خلقت الحرب ظرفا ملائما لاعادة طرح مسألتي الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في اراضي دولته المحتلة عام 1967، واعادة طرح إلزام إسرائيل بخيار الدولتين، ووقف حروب إسرائيل المتواصلة على الاراضي الفلسطينية، بالاضافة للاهداف التكتيكية، مثل: رفع الحصار عن القطاع، فتح المعابر، اعادة اعمار المطار والميناء، توسيع مساحة المياه البحرية لمسافة 12 ميلا بحريا، الافراج عن اسرى الحرية المعتقلين من صفقة شاليط والدفعة الرابعة من الاسرى المعتقلين قبل اوسلو، اعادة اعمار ما دمره العدوان الاسرائيلي البربري؛ 10- انتزاع ابناء فلسطين في القطاع من الكل الفلسطيني برغبتهم او رغما عن البعض، على انها رقما صعبا في المعادلة الوطنية، ورافعة للنضال الوطني، وإسقاط كل محاولات الالتفاف على وحدة الشعب والارض والقضية والاهداف الوطنية.
ثانيا عسكريا، 1- فشل الاهداف العسكرية والامنية الاسرائيلية المعلنة، فلم يتمكن الجيش الاسرائيلي من: إيقاف إطلاق الصواريخ، التي تواصل إطلاقها، ووصل عددها الى 3245 صاروخا، ولم يتمكن من هدم الانفاق؛ 2- مواصلة عمليات التصدي والمواجهة، وايقاع خسائر فادحة في صفوف جيش الاحتلال بلغ ما يقارب 250 بين قتيل وجريح، وتدمير العديد من الدبابات والمركبات العسكرية؛ 3- تنفيذ العديد من العمليات العسكرية خلف خطوط العدو، وداخل الخط الاخضر؛ 4- التمكن من اختطاف جندي وضابط (تمت إعادته مقتولا بعد تدخل تركيا مع حركة حماس) رغم كل التفوق العسكري الاسرائيلي البري والبحري والجوي، والمراقبة الشديدة وحالة الاستنفار القصوى؛ 5- احتدام التناقض بين المستويين السياسي والعسكري في اسرائيل نتاج فشل الحرب المسعورة؛ 6 اكدت الحرب بما لا يدع مجالا للشك، ان الجندي الاسرائيلي مهزوم من الداخل، واثبتت الحرب، ان جيش الروبوت الاسرائيلي، لم يعد جيش السوبرمان، الذي تتغنى به اسرائيل؛ 7- فشل التخطيط العسكري الاسرائيلي، وحدوث شرخ بين المستويين الاستخباراتي وقيادة الجيش الاسرائيلي.. وغيرها من الاهداف، التي ستفرزها الحرب الاجرامية الاسرائيلية في قادم الايام.
هذه القراءة السريعة لنتائح وحصاد الحرب، تجاوزت خلفيات وحسابات بعض القوى. وهدفت لتسليط الضوء على الايجابيات، وما يمكن ان تستفيده منها القيادة السياسية في تحقيق الاهداف السياسية والمصالح العليا للشعب.