مجلة القدس- رام الله- تحقيق/ وسام خليفة

لم تكد حكومة الاحتلال تعلن عن اختفاء مستوطنيها الثلاثة حتى شنّت اجتياحًا في الخليل والقدس والضفة، وما لبِثَت أن استهدفت غزة التي تنوء تحت عدوان همجي منذُ أكثر من 23يومًا. وحول تصاعد هذا العداون الهمجي وما تمكّنت المقاومة من تحقيقه كان لنا لقاءات مع عدد من الشخصيات الحقوقية والسياسية، لاستطلاع آرائهم حول هذا العدوان، وقراءتهم لموقف القيادة الفلسطينية والموقف العربي والدولي ازائه.

 

جرائم ممنهجة أداتُها الإبادة العشوائية

يشير أستاذ القانون الدولي ورئيس الهيئة الاسلامية المسيحية للدفاع عن المقدسات، الدكتور حنا عيسى، إلى أن الجرائم الاسرائيلية لم تتوقف لحظة واحدة منذ نشأة اسرائيل عام 1948 ووصولاً لآخر جرائمها حيثُ تمَّ خطف الفتى الشهيد محمد ابو خضير وحرقه حيًا في دير ياسين، لتعاود شن عدوانها الحالي على غزة وهو أشبه بإبادة جماعية طالت البشر والحجر والشجر.

ويلفت عيسى إلى أن "أهداف دولة الاحتلال من هذه الحروب التي تشنها هو ألا يكون هناك وجود لدولة فلسطينية بجانب "دولة اسرائيل"، وبالتالي تريد فصل القطاع عن الضفة بعد ان قامت بتهويد القدس، وهو ما أشار اليه الرئيس محمود عباس حيثُ قال بأن عدد المواقع الاستيطانية في الضفة الغربية بلغ 474 مستوطنة بالإضافة الى اكثر من 600 الف مستوطن، وكذلك القدس بات فيها 29 الف مستوطَنة وأكثر من 400 الف مستوطن، ويعيش فيها حاليًا 750 الف شخص بينهم فقط 250 الف عربي تقريبًا، وكل ذلك يأتي في اطار تهويد مدينة القدس وتغيير طابعها العربي الاسلامي وإحلال الطابع اليهودي محلّه".

من جهته علَّق أمين عام الجبهة العربية الفلسطينية جميل شحادة بالقول: "هذه الهجمة الاسرائيلية كان مُخطّطًا لها منذ اعلان اتفاق المصالحة الفلسطينية حيث أكّدت حكومة الاحتلال رفضها لهذه المصالحة وحاولت ان تمارس كافة الضغوط على القيادة الفلسطينية من اجل التراجع عنها، ثمَّ قامت بمجموعة من محاولات الاعتداء على الشعب الفلسطيني، وافتعال مشاكل تظهر الشعب الفلسطيني كأنه منسجم مع حركة حماس التي يوسمونها بالإرهاب، فبدأت بالخليل، ومن ثم القدس، وعندما لم تستطع تحقيق ذلك انتقلت الى قطاع غزة ضمن خطة ممنهجة ومسبَقة التخطيط".

أمَّا مدير مركز شمس للديمقراطية وحقوق الانسان الدكتور عمر رحال، فرأى أن جريمة قتل الشهيد ابو خضير كانت تحوّلاً نوعيًا لأنها أظهرت بوضوح ارهاب الدولة الصهيونية وحكومتها اليمينية التي أعطَت الضوء الأخضر للمستوطنين كي يعيثوا فسادًا وخرابًا في الاراضي الفلسطينية. وأضاف "هناك مجموعة اسرائيلية عنصرية تُسمّى عصابة "تدفيع الثمن" وهي تقوم بالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم فيما تغض الحكومة الإسرائيلية الطرف عنهم. فالحكومة الإسرائيلية هي حكومة مستوطنين، بمعنى أنها تسعى لإرضاء المستوطنين لتكون أصواتهم لها في الانتخابات القادمة، وكلما زادت من وحشيتها حازت تأييدًا اكبر. والكل يعلم أن الهدف الرئيس من العداون الذي شنّته اسرائيل هو إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوفنا وكسر ارادة الشعب الفلسطيني للضغط على القيادة الفلسطينية وإجبارها على الاذعان للاملاءات والشروط الاسرائيلية التفاوضية وخصوصًا فيما يتعلّق بملفات القدس والمياه والحدود والدولة عبر إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوفنا".

وأضاف"إسرائيل حين تقصف المناطق المأهولة بالطائرات والمدفعية والأسلحة الثقيلة فهي تعي أنها ستُسقِط العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى وأضعافًا مضاعفة من المشرّدين وذلك بسبب الكثافة السكانية في القطاع والتي تبلغ قرابة 4500 نسمة في الكلم2 الواحد بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وفوق ذلك لا تتوانى عن قصف المستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس والبيوت السكنية والأملاك الخاصة، مستخدمةً القوة المفرطة دون أي ضرورة حربية أو مراعاة إنسانية، وضاربةً بعرض الحائط المواثيق والأعراف الدولية وخصوصًا اتفاقية جنيف الرابعة المتعلّقة بالمدنيين الواقعين تحت الاحتلال".

 

حتى الصحافة لم تسلَم..

ولأن جيش الاحتلال لا يفرّق بين فلسطيني وآخر، فقد أبى إلا ان يستهدف الصحافة بحسب ما علّق بسخرية المصوّر في تلفزيون فلسطين فادي الجيوسي، وأضاف "نحن نقوم بتغطية الاحداث في مناطق الضفة الغربية وفي جميع نقاط التماس مع جنود الاحتلال، وقد لاحظنا مؤخّرًا أن قوات الاحتلال اصبحت تمعن في استهداف الصحافيين بشكل خاص وشخصي، حيثُ أنهم قاموا في الأسبوع الماضي بإلقاء قنابل صوت وغاز علينا وملاحقتنا في الشوارع وتهديدنا بالضرب وتكسير آلات التصوير الخاصة بنا، وهذا يحصل بشكل يومي في جميع نقاط التّماس لأنهم لا يعترفون إلا بالصحافة اليهودية".

وأردف الجيوسي "منذُ بضعة ايام كنت اقوم بتغطية الأحداث انا وزميلي المراسل علي دار علي عند حاجز قلنديا- وهو المعبر الشمالي لمدينة القدس المحتلّة- وكنا نرتدي السترة المكتوب عليها "صحافة"، ووقفنا في المنطقة التي يعلَم الجنود بأن الصحافة تقف فيها. وما أن شرعنا بالتغطية الاخبارية حتى أخذ الجنود بإطلاق النار وقنابل الصوت والدخان علينا بصورة مباشرة ووحشية، ما تسبّب بإصابتي بعيار دخل الركبة، وتبيّن لاحقًا أن هذا العيار ليس مطاطيًا بل عبارة عن كتلة حديدية مغلّفة بطبقة خفيفة من البلاستك، ولولا أن سيارة الاسعاف قامت بالوقوف بيننا وبين جنود الاحتلال كدرع واقٍ لكنا هلكنا، خاصةً أنهم واصلوا اطلاق النار على السيارة. ومنذ مدة كنا نقوم بتغطية بقرية عين حجلة بالاغوار، ورغم عدم وجود أي خرق لأي قانون، فقد طوّق أكثر من 1200 جندي من قوى الاحتلال المنطقة واقتحموها، وشرعوا بضرب قنابل الصوت والغاز علينا، وكنا حينها نغطي ما يحدث مباشرةً من على سطح غرفة، فقدِمَ الينا أحد الضباط ودفع آلة التصوير، وقبل ان اتمكن من امساكها قام بدفعي عن سطح الغرفة الى الارض، حيثُ قام الجنود الموجودون بركلي وضربي. وحتى بعد خروجنا من المكان بصعوبة، قاموا بملاحقتنا حتى مدينه اريحا".

 

المقاومة وجّهت صفعة لإسرائيل

حول مدى تمكّن المقاومة من توجيه رد مؤلم لجيش الاحتلال قال د. عمر رحال: "التقديرات العسكرية والأمنية والاستخباراتية الاسرائيلية كانت تشير إلى ان المقاومة الفلسطينية لا تمتلك أكثر من 200 صاروخ، وظنّت أن بوسعها تدمير 60% منها من خلال طائراتها فيما تتصدى القبة الحديدية لما تبقى. ولكن إسرائيل تفاجأت حين طالت الصواريخ الفلسطينية كل المدن الفلسطينية المحتلة في العام 1948، بحيثُ أصبحت كل المستعمرات الاسرائيلية والمدن المحتلة تحت مرمى النيران، مما يدل على فشل استخباراتي اسرائيلي وامني واضح. ولكن هذا الانجاز جاء نتيجة عمل المقاومة الفلسطينية بكل اطيافها من حركة "فتح" الى حماس والجهاد الاسلامي والشعبية الديمقراطية وكل فصائل العمل الوطني على تأهيل نفسها من ناحية التدريب وبناء القدرات وتخزين السلاح حتى اللحظة. وعلى الرغم من عدم وجود توازن في القوة بين المقاومة وجيش الاحتلال، إلا ان توازن الرعب كان موجودًا بدليل الردود والعمليات النوعية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية خلف خطوط العدو، والوصول الى القواعد البحرية عبر الضفادع البشرية وعمليات الضرب الموجعة والمحكَمة، وتحديدها وقتًا محدّدًا للقصف، إضافةً إلى تمكنها من اختراق البث التلفازي والإذاعي لمحطات عبرية، وإرسالها رسائل نصية الى ملايين من الاسرائيليين عبر هواتفهم النقالة، فهذه كلها مؤشرات على ان المقاومة الفلسطينية هذه المرة استفادت من التجارب السابقة واستفادت ايضًا من تجارب حزب الله فيما يخص الاعلام الحربي ايضًا، حيثُ أن المحللين العسكريين قالوا بأن جيش الاحتلال يقاتل أشباحًا، وحتى اللحظة لم يتم العثور على منصات للصواريخ. وعلاوةً على ذلك فجيش الاحتلال يعتمد على تفوقه في سلاح الجو، ولكنه لا يتمتع بأي خبرة في الحرب البرية، لذا فهو حتى الآن لم يتمكن من التوغل أكثر من 2 كلم برًا حيثُ قام بمجازر مخيفة إن دلّت على شيء فإنها تدل على همجيته وتخبّطه وإدراكه بأنه لن يكون قادرًا على مواجهة المقاومة مما سيتسبب له بخسائر فادحة في الارواح والمعدات. لذا فالمقاومة الفلسطينية قدَّمت أداءً رائعًا وأثبتت بصمودها وإرادتها وتكتيكها وعقيدتها العسكرية، التي تستند على عقيدة وطنية، أنها قادرة على قهر الاحتلال، والدفاع عن شرف الامة".

بدوره رأى شحادة أن المقاومة أبدعت في تعاطيها مع هذا العدوان تمامًا كما أبدع شعب غزة بكفاحه وصموده وتحمله ثلاث حروب في اقل من خمس سنوات كان يخرج بعدها أكثر اصرارًا على التمسك بحقوقه، واستدرك "ولكن في الوقت عينه يجب عدم مصادرة القرار السياسي لأن ذلك لا يصب في المصلحة الوطنية، ولنترك القرار للقيادة السياسية سواء في داخل حماس او داخل السلطة الوطنية الفلسطينية فهي الاقدر على تقدير الظروف والتعاطي معها" .

 

الموقف العربي والدولي

يشير الدكتور عيسى إلى أن الموقف الأوروبي تجاه العدوان الإسرائيلي لا يرتقِ الى حفظ الامن والاستقرار ولا إلى حماية الشعب الفلسطيني، معلّقًا "بالتالي لابدّ من ايجاد بدائل ومقومات تحافظ على حقوق جميع الشعوب المستضعَفة. فها هو الشعب الفلسطيني يتعرّض لإبادة جماعية على يد قوات الاحتلال الاسرائيلي والموقف الاوروبي لم يكن على قدر المسؤولية"، مضيفًا حول الموقف العربي"أمَّا العرب فهم في حالة إلهاء داخلية بسبب ما يسمّى بالربيع العربي، ما أوجد لديهم ابتعادًا عن جوهر القضية الفلسطينية وعن معاناتها، ناهيك عن ازدواجية المعايير الدولية وكل ذلك بكل تأكيد يعيق حماية الشعب الفلسطيني ويعطي المحتل قوة اكثر للبطش بالشعب الفلسطيني نتيجة عدم وجود رأي عام عربي وإسلامي وأوروبي وأمريكي رسمي مساند".

وينوّه شحادة إلى أن "الموقف العربي كان خجولاً حتى في التضامن، فلم يقم بالحد الأدنى حتى من الضغط على الولايات المتحدة الامريكية من اجل الضغط على اسرائيل لوقف هذا العدوان، في الوقت الذي مارست فيه إسرائيل تضليلاً واسعًا على الصعد كافة في الدول الاوروبية بحيث اظهرت ان هذا العدوان هو اعتداء من الشعب الفلسطيني وحركة حماس بشكل خاص على اسرائيل ما ساهم بانحياز الموقف الأوروبي للأخيرة وإعطائها الضوء الأخضر لشن الهجوم البري".

ويردف شحادة "لذلك قامت القيادة الفلسطينية بالتوجه الى الدول الأوروبية من خلال سيادة الرئيس ومن خلال السفارات الفلسطينية في كل دول اوروبا لتوضيح الموقف وحثّهم على الضغط على اسرائيل لوقف هذه المجرزة بحق شعبنا".

أمَّا ممثل حركه "فتح" في القوى الوطنية امين شومان فيقول: "ما يجري بغزة مجازر حقيقية ترتكبها الحكومة اليمينية المتطرفة، وحتى اللحظة تجاوز عدد الشهداء الألف شهيد وأكثر من ستة آلاف جريح ومئات الآلاف ممن شُرّدوا من منازلهم، وأصبحوا نازحين داخل قطاع غزة، في حين لا نلحظ من أي جهة عربية أو دولية خطوة جادة لوقف العدوان. لذا فالمطلوب من كل المؤسسات الحقوقية الدولية والشعوب العربية التضامن والخروج عن صمتهم والوقوف بجانب ابناء قطاع غزة، والضغط على جميع  المستويات الرسمية العربية وعلى جميع المؤسسات الحقوقية من اجل تطبيق هدنة انسانية يتمكن من خلالها الأهالي من دفن شهدائهم، وانتشال الجثامين من تحت الانقاض، وتضميد جراح الآلاف الذين اصبحوا بلا منازل، ويجب ان يكون هناك تحمُّلٌ للمسؤولية من قبل بان كي مون ومن قِبَل الامم المتحدة ومجلس حقوق الانسان، وان يكون هناك توجه نحو محكمة الجنايات من اجل تجريم اسرائيل على ما ترتكبه من جرائم الإنسانية".

 

موقف القيادة والسلطة الوطنية

أكّد شومان أن موقف القيادة  الفلسطينية كان واضحًا من خلال خطاب الرئيس محمود عباس الذي توجَّه به الى الجماهير الفلسطينية للدعوة لالتفاف شعبي وجماهيري مع اهلنا في قطاع غزة، وأضاف"الرئيس محمود عباس هو رئيس كل الفلسطينيين، وما يحدث في قطاع غزة يحدث ضد جزء من ابناء شعبه، لذلك فإن الموقف الوطني كان حاضرًا لدى الرئيس ولدى القيادة الفلسطينية التي قالت بأن شروطنا هي شروط المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهي فتح المعابر ورفع الحصار، والإفراج عن الاسرى الذين تم اعتقالهم في صفقة شاليط من الدفعة الرابعة، وكذلك السماح لأهل قطاع غزة بالصلاة في المسجد الاقصى، ووقف الاستيطان لأن الحل الوحيد لقضيتنا هو جلاء هذا الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على اراضي العام 1967. كذلك فلا بدَّ من أن اتوجّه بالتحية للمقاومين الفلسطينيين الصامدين الذين يقارعون المحتل ويدافعون عن شرف الأمة بكل ما يملكون، وأقول لهم اصبروا.. فما النصر إلا صبر ساعة".

بدوره قال رحال: "إسرائيل راهنت بحربها هذه على قدرتها على افشال المصالحة الوطنية الفلسطينية وظنّت أن القيادة ستتخلى عن غزة، ولكن الرد جاء من خلال خطاب السيد الرئيس محمود عباس الذي اكد فيه أن غزة هي الضفة الغربية والضفة الغربية هي غزة، وان كل قطرة دم تنزف وتسيل في قطاع غزة هي مسؤولية دولة الاحتلال ودولة الاحتلال سوف تكون مساءلة عن الخطاب الاخير. فرسالته كانت واضحة ووصلت الى كل من يهمه الامر".

من جهته أكَّد د. عيسى أنه من غير الممكن تجزئة السلطة الوطنية الفلسطينية عن منظمة التحرير لأنهما في خندق واحد يسعى لطرد هذا المحتل ومقاومته، وتابع "يجب ان نأخذ بعين الاعتبار ان منظمة التحرير هي الاساس، وان الشعب الفلسطيني يلتف حولها وهي التي تعطي الزخم للقضية الفلسطينية وتبقيها في سلم الاولويات الدولية .ونحن لا ننسى أن المقاومة نشأت أولاً في 1/1/1964 بقيادة القائد ياسر عرفات، وهذه المقاومة هي التي اوجدت القضية الفلسطينية على سلم الاولويات الدولية وهي التي اوجدت فلسطين في الامم المتحدة، وهي التي اوجدت علاقات ثنائية بين فلسطين وبين الدول الاخرى، وهي أيضًا التي اوجدتنا في اليونيسكو ومنحتنا دولة بصفة مراقب في الامم المتحدة. وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية هي سلاح الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه المشروعة".