بقلم: إسراء غوراني
غدت بلدة طمون جنوب طوباس أمس وكأنها مأتم كبير، لا تفارق أعين أهاليها الدموع وهم يودعون عشرة من أبنائهم دفعة واحدة، بعد تنفيذ طائرة تابعة لجيش الاحتلال عملية قصف من الجو على ساحة منزل في البلدة، في ثالث عملية قصف نفذها الاحتلال على البلدة خلال الشهر الجاري.
الصورة الأولى لعملية القصف على ساحة المنزل، والتي انتشرت كالنار في الهشيم على شبكات التواصل الاجتماعي بعد توثيقها من قبل مواطنين في البلدة، تظهر المنطقة المستهدفة وكأنها قطعة من الجحيم من شدة القصف وما تبعه من تصاعد للنيران، بما يوحي بأن عملية القصف الأخيرة كانت الأصعب والأشد دموية من بين جميع عمليات القصف التي حدثت في البلدة مؤخرًا.
وراح ضحية هذه العملية عشرة شهداء، هم: عبد اللّٰه محمود محمد بني عودة (22 عامًا)، ومحمد مثقال فايز بني عودة (36 عامًا) وشقيقه إبراهيم (33 عامًا)، أسامة معروف ذياب بني عودة (19 عامًا)، منتصر علي محمد بني مطر (25 عامًا)، عبد الرحمن محمود نمر خطيب (20 عامًا)، عمر علي محمد بشارات (28 عامًا)، صالح خضر يوسف بني مطر (19 عامًا)، سليمان أحمد سليمان بشارات (22 عامًا)، وجهاد ناصر يوسف بني مطر (18 عامًا)، كما أصيب الشاب معن محمد بني عودة بجروح خطيرة.
أحد المواطنين والذي يقيم بالقرب من المنزل المستهدف، تحدث عن تفاصيل اللحظات الأولى للقصف ويقول: "كنا نجلس في منزلنا حوالي الساعة التاسعة مساءً، فسمعنا صوت انفجارين متتاليين، ورأينا النيران تتصاعد من منزل جيراننا الذي يبعد عنا حوالي مئتي متر. تم استهداف ساحة المنزل بصاروخين".
يتابع: "هرعت على الفور إلى المنزل والتقيت بعشرات المواطنين الذين قدموا أيضًا على جناح السرعة لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ومساعدة من في المنزل، لكن المشهد كان أفظع من أن يوصف، النيران مشتعلة في الأرائك الإسفنجية التي كان يجلس عليها الشبان في ساحة المنزل، الشهداء متناثرون على الأرض، وهناك أشلاء متناثرة في ساحة المنزل بالإضافة إلى جثة محترقة، ولكن كان هناك ثلاثة شبان ما زالوا على قيد الحياة ولكنهم في حالة صعبة للغاية.
ويصف أن ما حدث في البلدة كان من أقسى ما شاهده في حياته، مضيفًا: "كنا نبعد كل ما يمكن إزاحته للملمة الأشلاء التي تناثرت في الساحة".
والزائر اليوم لبلدة طمون وفيما مضى من الأيام يلحظ أن أهالي البلدة جميعًا في قلوبهم غصة كبيرة، يظهر ذلك جليًا على وجوههم كلما قابلنا أحدًا منهم في طرقات البلدة أو عند حضورهم إلى منازل الشهداء لمواساة ذويهم، يقولون بألسنتهم الكثير مما يعبر عن مرارة فقدهم، لكن وجوههم توحي أن حجم الألم يفوق القدر الذي يبوحون به.
يشير رئيس بلدية طمون ناجح بني عودة إلى أن أهالي البلدة يعايشون أيامًا صعبة للغاية، فما أن يغلق بيت عزاء حتى يفتح بيت عزاء آخر نتيجة استهداف الاحتلال المتصاعد للبلدة.
عدا عن ذلك يتحدث عن حالة من القلق الدائم باتت ترافق المواطنين في حياتهم اليومية، بسبب تزايد عمليات القصف مؤخرًا والتحليق المتواصل لطائرات الاستطلاع المسيرة في الأجواء، كما أن المواطنين باتوا يخافون حتى من الجلوس في الساحات الخارجية للمنازل.
ويستذكر أصعب ما مرت به البلدة مؤخرًا من مآسٍ جراء عمليات قصف الاحتلال المتكررة، فخلال الشهر الجاري وحده، نفذ الاحتلال ثلاث عمليات قصف على البلدة، راح ضحيتها 15 شهيدًا، 10 منهم استشهدوا معًا في قصف أول أمس، وخمسة شهداء ارتقوا في عمليتي قصف في يومين متتاليين مع بدايات الشهر الجاري منهم طفلان يبلغ أحدهما من العمر ثمانية أعوام فيما يبلغ الآخر عشرة أعوام، وكانت سلطات الاحتلال قد تذرعت في حينها بأنها استهدفت خلية مسلحة، ليتضح كذب هذه الادعاءات وتبين أنه تم استهداف أطفال كانوا يلهون على مقربة من منازلهم.
وتشير إحصائيات التجمع الوطني لأسر الشهداء في محافظة طوباس إلى أن عدد شهداء المحافظة منذ بداية العدوان الشامل على شعبنا في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى الآن بلغ 90 شهيدًا، ثلثهم من بلدة طمون، فيما تشير الإحصائيات ذاتها أن أكثر من 30 شهيدًا منهم ارتقوا جراء عمليات قصف من الجو، كما بلغ إجمالي عدد الشهداء في مختلف محافظات الضفة الغربية 895 في الفترة ذاتها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها