حوار/ امل خليفة
قصفٌ وقتلٌ ورعبٌ لا بل هي حرب إبادة جماعية شنّتها قوات الاحتلال على قطاع غزة فأعاثت في الأرض والممتلكات خرابًا، وأبادت عائلات بأكملها، ولم ترتوِ بعد من تعطشها لدماء الفلسطينيين. وحول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وموقف القيادة الفلسطينية تجاه التعاطي مع هذه الأزمة، كان لنا هذا الحوار مع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مفوّض العلاقات الخارجية الدكتور نبيل شعث.
ما هي اخر تطورات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة؟ وكيف تفسّرون هذا التصعيد غير المسبوق تجاه ابناء شعبنا؟
بدايةً دعيني أشير إلى أن المصطلح الأكثر انطباقًا على هذا العدوان هو "المحرقة". فما ترتكبه إسرائيل من قتلٍ للأطفال والنساء والشيوخ وتدميرٍ للبيوت هو جريمة ضد الإنسانية، والأدهى أنها تعلل ذلك بحقها بالدفاع عن النفس فيما العالم العربي والدولي يكتفي بالمراقبة عبر التلفاز وإطلاق كلمات الحسرة والأسى أو الإدانة دون أي ضغط لوقف هذه الجريمة. ولكن وبالرغم من هذه الجريمة القذرة التي يشنّها الاحتلال الاسرائيلي علينا، نجد شعبنا صامدًا يقاوم ويقف في وجه هذا الاحتلال وهذا العدوان ويسبب له خسائرَ فادحة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن خسائر الضباط والجنود الاسرائيليين المعتدين من قتلى وجرحى فاقت جملة خسائرهم في حرب العام 1967، وبالتالي لم يعد هناك من تبقى للدفاع عن كيانهم. ومطار بن غوريون مشلول بالكامل بعد انفجار عدد من القذائف فيه، ما دعا شركات الطيران لإيقاف رحلاتها منه واليه إلى اجل غير مسمى. وبالتالي فإن اسرائيل بالنهاية تدفع ثمن هذه الحرب التي ألهبت كل الفلسطينيين في كل مكان وخصوصًا في غزة مصنع الصبر والصمود الأسطوري والبطولة. وفي رأيي فإن قدرتهم على التحمل أسطورية، وتذكّرني باجتياح قوات الاحتلال لبيروت في العام 1982، رغم ان بيروت تعد مساحة واسعة، ويومها لم نكن في أرضنا ولكن الشعب اللبناني وقف معنا وكأننا شعب واحد، ونحن لا ننسى تلك الأيام الــ88، ونحمد الله أنه كان لدينا من الأسلحة ما مكّننا من إيقافهم ومنعهم من دخول بيروت الغربية، لذلك لم يعانِ شعبنا في بيروت، الفلسطيني واللبناني، مثل ما يعانيه شعبنا في غزة -كان الله في عونهم- ونحن نسعى لحل هذه الأزمة بكل الامكانيات، حيثُ أن الاخ الرئيس ابو مازن ذهب الى القاهرة، وتركيا، والبحرين، وقطر، وكان مستعدًّا للذهاب الى السعودية، ولكن لم يكن هناك وقت لترتيب موعد، كما التقى بان كي مون، ووزراء خارجية المانيا، وبريطانيا، وفرنسا وغيرهم، والاتصالات جارية حتى اللحظة، وبدورنا قمنا بالتواصل مع حلفائنا الاوروبيين في الاحزاب الاشتراكية واليسار الموحّد.
كيف تقرأ الموقف الفلسطيني الرسمي تجاه التعاطي مع هذه الازمة؟
الموقف الفلسطيني الرسمي هو الوقوف الى جانب غزة ودعم المقاومة في غزة، وهناك محاولات جادة للتوصُّل لوقف اطلاق النار، يليه فورًا الالتزام بكل مطالب شعبنا ليس فقط في غزة، بل في كل فلسطين، والحراك من اجل وقف شلال الدم الفلسطيني بأسرع ما يمكن. وبعد تأييدنا للمبادرة المصرية، اضفنا عليها اضافات وجدناها ضرورية وهي تأكيد اسرائيل الالتزام بعدم العودة الى حصار غزة، والإفراج عن الاسرى، والافراج عن ارضنا وبحرنا الذي لا يسمحون لنا بالصيد فيه، والكف عن اجراءات القتل والتضييق التي تقوم بها ضد شعبنا.
كيف سيتم برأيك التوصل الى التهدئة؟ وما هي العقبات والشروط التي تحول دون ذلك؟
انا لا احب كلمة "التهدئة" فنحن لا نتكلم عن حرب ما بين شعبين، وللأسف الشديد فحماس هي التي اخترعت هذه الكلمة حتى لا تسميها وقف اطلاق نار. أمَّا نحن فما نريده هو وقف اطلاق النار أي وقف هذا العدوان وهذا "الهولوكوست" الاسرائيلي. فنحن لا نريد تهدئة، بل نريدهم ان يرحلوا عن ارضنا، لذا نحاول الاتيان بهذه النهاية للعدوان الاسرائيلي بضغط دولي وعربي، وبتوحيد الموقف العربي حتى لا يكون هناك مواقف مختلفة على حساب بلادنا، لإنهاء هذا العدوان على غزة، وبالتالي انهاؤه في الضفة وشيئًا فشيئًا حتى دحره تمامًا.
ما هي تداعيات هذا العدوان على وضع السلطة الفلسطينية وحكومة الوفاق؟
حاليًا حكومة الوفاق مجمّدة، فنحن كنا قد أوفدنا وزير الصحة في حكومة الوفاق الدكتور جواد عوّاد، ولكن للأسف الشديد تم الاعتداء عليه بالضرب، وهذا كان خطأً فادحًا، وعلى كل حال لا نريد ان ندخل في اي صراع الان مع اي جهة فلسطينية، لأن صراعنا مع العدو المجرم، ونحن مع المقاومة الفلسطينية ضد هذا العدوان، لذلك نحن نتحمَّل الكثير من ضرب وزيرنا، واعتقال شبابنا بغزة، الى حرمانهم من حمل السلاح للمساهمة في حماية بلدهم، ولكننا كذلك ننتقد كل من حوّل هذه الحرب الى انتقادات داخلية سواء أكان من "فتح" أو حماس، فعدونا عدو واحد وهو اسرائيل ونريد ان نغلب هذا العدو بتحقيق وحدة كاملة حقيقية في اليوم الذي يغادر فيه غزة دون أي تأجيل، فإذا خرجنا من هذه الحرب بوحدة وطنية نكون قد هزمنا اسرائيل، أمّا إذا خرجنا منها بانعزال وانقسام تكون قد انتصرت اسرائيل، واسرائيل كل هدفها من هذه الحرب هو اضعاف غزة وإبقاؤها بعيدة عن الجسم الفلسطيني.
كيف تُقيّم الوقفة التضامنية الاجنبية والعربية مع العدوان على القطاع؟
هذه الوقفة غير كافية بل هي معيبة خصوصًا بالنسبة للعرب، وتُذكّرني بحرب العام 1982 حيثُ كانت المظاهرة الكبرى الوحيدة التي خرجّت هي مظاهرة اشقائنا الجزائريين احتجاجًا على نتائج المونديال في باريس، وأيضًا فالقمة العربية الوحيدة التي عُقدت في العام نفسه كانت اجتماع كل رؤساء العرب في الرياض من اجل العزاء في وفاة الملك خالد -رحمه الله- في السعودية، وبالتالي هذا يطلعنا على الموقف العربي إزاء حروب هائلة تستهدف تدمير شعب بأكمله. وما يحدث اليوم ليس بجديد، ولكنه كذلك لا يعني أن أتخلّى عن عروبتي ووطنيتي وانتمائي لوطني فأنا اعي أيضًا أن العالم العربي كان له مواقف مشهودة كموقفه في حرب العام 1973، والانتفاضة الاولى التي وقفت بها امتنا الى جانبنا. وبدوره فإن الموقف الدولي ليس بالأفضل ويتدرج بدءًا بالأسوأ وهو موقف الولايات المتحدة مرورًا بالدول الأوروبية وخصوصًا فرنسا وانجلترا والمانيا وهولندا والمجر. فهذه الدول ما زالت تتعاطى مع العدوان انطلاقًا من بدأ التساوي، في حين ينبغي لها أن تطلب إلى الطرف المعتدي ان يكف عن عدوانه. ولكننا متفائلون، حيثُ أن الموقف الأوروبي آخذ بالتغيُّر، والدليل على ذلك المظاهرات التي شهدتها مدينتا باريس ولندن وشارك فيها 150 ألف شخص، وهناك غليان شعبي يزداد تدريجيًا ضد العدوان الاسرائيلي. غير أن موقف دول امريكا اللاتينية كان الافضل حيث سحبت سفراءها من اسرائيل وهناك حراك هائل بأمريكا اللاتينية حكومة وشعبًا ضد العدوان الاسرائيلي.
ولكن الإعلام كذلك يؤدي الدور الأكبر في حشد الدعم. فالعالم للأسف الشديد اعتاد رؤية مناظر القتل والذبح في سوريا والعراق وعوّد نفسه على عدم التأثر بالعرب، وهذا ما تستغله إسرائيل التي لها وجود اعلامي وسياسي قوي في اوروبا وامريكا، أي اللعب على وتر التجاهل، علمًا أن المجازر الـمُرتكَبة مروعة وراحت ضحيتها عائلات ابيدت بكاملها، وأنا على سبيل المثال فقدت خمسة من ابناء عمي في شقة واحدة في خانيونس. ولكن في الوقت عينه تكون الفرحة كبيرة لرؤية من لا زال يتضامن مع قضيتنا، وأذكر هنا الممثلة الشابة سيلينا غويمز وهي امريكية من اصل لاتيني، وإحدى أهم وجوه قناة "ديزني" للأطفال، وقد بدأت حملة تعاطف مع غزة في "هوليوود" على الرغم من الهجوم الذي شُنَّ عليها من اليهود في امريكا.
هل سيكون لانجازات المقاومة تأثير على التحرك السياسي في السلطة؟ وما هو تعقيبك على الخطاب الاخير لسيادة الرئيس في اجتماع القيادة؟
إن ذهاب الرئيس أبو مازن الى مبادرة مصر وإضافته تعديلات عليها هو وليد استجابة لهذه المقاومة. ولو ان الحرب انتهت خلال يوم واحد لما كان هذا موقفنا. فنحن كلنا مجندون للوقوف في وجه هذه الحرب، ونحن في الحكومة نجتمع مع الأخ الرئيس يوميًا حتى الفجر ونعمل ليل نهار لإنهاء هذه المذبحة، وأعتقد أنه بعد نهاية هذا الحرب سيكون علينا إعادة تقييم الموقف الدولي وموقفنا من عملية السلام بشكل عام.
أمَّا بالنسبة للخطاب فبرأيي كان جيد جدًا، وأنا سعيد بأن اللغة الفلسطينية الرسمية تطورت وزادت غضبًا واصرارًا ومقاومة تجاه هذا العدوان.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها