خاص- مجلة القدس تتسربل القضيةالفلسطينية اليوم بمناخات سديمية وغبارية تحجب الرؤية الى حد بعيد. وتلوح في سماء فلسطينأوضاع مضطرية وتوقعات غير يقينية تماماً. وهذا أمر طبيعي في خضم التحولات التي تشهدهابعض الدول العربية المحيطة بفلسطين، ولا سيما مصر وسورية، علاوة على الانجراف الصهيونيالخطر نحو العنصرية المتزايدة التي ربما تفتح أبواباً جديدة للصراع والعنف في الاراضيالفلسطينية. أما صورة الوضع الراهن في فلسطين فيمكن ايجازها بالتالي: لا سلام ممكناًمع اسرائيل، ولا مقاومة مسلحة مجدية بالطريقة القديمة؛ ولا مصالحة متينة وراسخة بينحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من جهة وحركة حماس من جهة مقابلة؛ ولا أموالتتدفق على السلطة الوطنية كي تتمكن من الوفاء بالتزاماتها الأولية تجاه شعبها المحاصر.

ليس الفلسطينيونفي غزة هم وحدهم المحاصرون. الفلسطينيون في الضفة الغربية محاصرون أيضاً، وبدرجة لاتقل إيذاءً عن الحصار المفروض على أبناء غزة والحصار في الضفة هو حصار سياسي وماليفي آن واحد، علاوة على الحصار الأمني الذي تمارسه السلطات الاسرائيلية مباشرة، وفوقذلك القضم المتزايد لأراضي الفلسطينيين الذي نجا منه أهلنا في غزة.

لقد اعتقد فلسطينيوغزة أن تغيير النظام في مصر سيفتح الباب أمام إنهاء عهد الحصار. لكن اعتقادهم هذا اتشحبالوهم، واكتشفوا سريعاً ان الآمال التي علقوها على الحكم الجديد  في مصر لم تكن صحيحة او ملائمة لتوقعاتهم. فالحكمالمصري الجديد لن يفتح الحدود عند معبر رفح للمرور لحر،  والحكم الجديد تؤرقه المجموعات التكفيرية في منطقةسيناء ويخشى ان يصبح قطاع غزة ملاذا"ً لهذه المجموعات التي يمكنها ان تورطه فيمشكلات أمنية في مصر نفسها ومع اسرائيل في الوقت نفسه . وفي هذا الميدان يصبح من غيرالممكن للمصريين غض الطرف عن الأنفاق بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية مادام معبر رفحلم يُفتح بشكل طبيعي.

في هذا السياقجاءت زيارة أمير قطر الى غزة في 23/10/2012. وبدلاً من أن تفتح هذه الزيارة معبر رفح،فتحت أبواباً للتفسير والتحليل والتكهن. ومهما يكن أمر هذه التفسيرات، فمما لا شك فيهان هذه الزيارة أثارت التباسات كثيرة في شأن السياسة المقبلة للنظام المصري الجديدولدولة قطر في شأن القضية الفلسطينية. ولعل من حقنا ان نتوجس من هذه السياسة التي تتجهالى التعامل مع قطاع غزة بشكل مستقل عن الضفة الغربية، الأمر الذي يكرس الانقسام السياسيبين رام الله وغزة؛ هذا الانقسام الدموي الذي افتعلته حركة حماس في سنة 2007.

لا نجازف في الاستنتاجاذا قلنا ان التغيير السياسي في مصر الذي انتهى الى تربُّع حركة الاخوان المسلمين علىكرسي الرئاسة (ولو مؤقتاً) سيفرض تغيير وظيفة حركة حماس في غزة التي هي جزء من التنظيمالواسع لجماعة الاخوان المسلمين وفي هذا الحقل من الاستنتاج سيتلاشى الكلام على المقاومةبالتدريج لتحل محله لغة المصالح والتهدئة وعدم إلقاء النفس الى التهلكة. وستُحْكِمحركة حماس سيطرتها أكثر على قطاع غزة جراء الدعم المصري اللوجستي، والدعم القطري المالي،وستدير ظهرها الى بقية الفصائل الفلسطينية وفي مقدمهم حركة فتح وستُطبق حماس على"المجموعات الجهادية" ذات التفكير القاعدي لتطمين مصر واسرائيل معاً.ولنيكون ثمة عمليات عسكرية من قطاع غزة ضد اسرائيل. وسيُفتح معبر رفح بشكل أفضل بكثيرمن السابق، ويتم، استطراداً، تدمير كثير من الأنفاق التي يصعب مراقبتها.

غيرأن النتيجة المنطقية لهذه الاجراءات كلها، في ما لو تحققت حقاً، والأرجح أن تتحقق بالفعل،هو تكريس الانقسام الفلسطيني بين السلطة الوطنية في رام الله، والحكومة المقالة فيغزة التي لا شرعية قانونية لها على الاطلاق الا قوة الأمر الواقع وقوة القهر. وأبعدمن ذلك، فإن التعامل المصري والقطري مع قطاع غزة، ومع "حكومة الأمر الواقع"في غزة يبدو أنه يخفي سياسة محددة يُراد منها تقريب الاخوان المسلمين في مصر من الولاياتالمتحدة الاميركية. وهذا التقريب يحتاج الى تقديم أوراق اعتماد سياسية وإحدى هذه الاوراقالسياسية المطلوبة في هذه الحال هي السيطرة على حركة حماس وعلى قطاع غزة، والتحكم بالجماعاتالسياسية الموجودة في القطاع بحيث لا يشكل هؤلاء جميعاً أي خطر على اسرائيل. فإذا نجحالنظام المصري الجديد في احتواء حركة حماس في إطار هذا النهج (علماً ان حركة حماس دأبتعلى انتهاج هذه النهج منذ سنة 2007 فصاعداً فراحت تمنع أي مجموعة قتالية من التحرك،وتعتقد من يطلق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية)، فيمكن الانتقال عندئذ الى الشوطالجديد في مسيرة التفاهم بين الاخوان المسلمين في فلسطين والولايات المتحدة