يوسف عودة
في لحظة الوضوح انقشعت الرؤيا وبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وأمام مفترق الطرق كل الخيارات الفلسطينية ترمي بثقلها على مسار الوطنية الفلسطينية باتجاه واحد، إنهاء الانقسام الفلسطيني وتداعياته في مشهد لم تألفه مسيرة النضال الفلسطيني على مدار نصف قرن.
بعد سبع سنوات عجاف من القطيعة الممنهجة بالحسم العسكري اسلوباً وممارسة، دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً كادت أن تفقد القضية الفلسطينية مكانتها السياسية والسيادية في أولويات الصراع للقضايا الدولية الساخنة، كما تحول الانقلاب الدموي في 14/7/2007 على النظام السياسي الفلسطيني الهجين والشرعية مأزقاً فلسطينياً فلسطينياً قدم للاحتلال الاسرائيلي هدية مجانية واستثماراً لأجندات ومشاريع المنطقة ومساوماً على الغنيمة الأكبر للضفة الغربية من خلال تسويفه وعدم التزامه بالاتفاقيات وهروبه إلى الأمام لكل الاستحقاقات المطلوبة منه.
سبع سنوات رسمت خطين متوازيين، الخط الأول يصنع الوقائع والمكاسب السياسية على الأرض، والخط الثاني كان ضحية المراهنات الخاسرة على وهم المشاريع في محصلات الصراع والمتغيرات والتوازنات والمصالح الدولية. ومن نتائجه الكارثية كيانان منفصلان سياسياً وجغرافياً وتهويد مدينة القدس وأسرلة الضفة الغربية ورفع وتيرة الاستيطان واستكمال جدار الفصل العنصري وممارسة الارهاب المنظم ضد الشعب الفلسطيني وهدم البيوت وطرد السكان والحصار الاقتصادي وتحويل غزة إلى سجن كبير منعزل عن محيطه يفتقد إلى الدواء والغذاء ومتطلبات الحياة الانسانية. والأخطر من ذلك غياب العنوان الرئيس والهم المشترك العربي في ظل المشاريع المتصادمة لأزمة النظام الرسمي العربي وما يشهده من تدمير لمقومات وجوده السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
في قراءة المصالحة أول سطر فيها المراجعة النقدية الشاملة لمرحلة سوداء لا طعم ولا لون ولا رائحة لها، ولا تمت بصلة إلى حقيقة الشعب الفلسطيني وثقافته ولا إلى تضحياته على مدار مائة عام وانجازاته ومكتسباته، وما حققه بصموده الاسطوري في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، لقد عجز الاحتلال عن كي الذاكرة الفلسطينية. كما جعل تمسك الشعب الفلسطيني وقيادته بالثوابت الوطنية الفلسطينية الى قلق استراتيجي يقض مضاجع الاحتلال الاسرائيلي محشوراً بالزاوية يطلب الامر المستحيل اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة.
اول حقيقة اساسية في الخيار الجوهري بانهاء الانقسام تكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية وترتيب البيت الداخلي بعيداً عن المصالح الفئوية، والوحدة الوطنية ستحدد مسار النضال الفلسطيني وستدفع بالزخم السياسي للقضية الفلسطينية ومناخاتها العربية والإقليمية والدولية، واستعادة غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية كجزء من النظام السياسي الفلسطيني سيرسم خطأ بيانياً جديداً وأفاقاً مستقبلية على الجبهة النضالية والسياسية، وسيدفع باتجاه تطوير البنى التحتية لدولة فلسطين على كل المسارات الادارية والبنيوية واستمرار الانتساب للمؤسسات الدولية والشرعية الدولية.
متطلبات الحقبة السياسية الراهنة بعد انهاء الانقسام قراءة الاستحقاقات في المشهد الفلسطيني واستثمار الاقليمي والدولي لصالح القضية الفلسطينية وتوظيف أوراق القوة والتوافق الوطني على البرنامج السياسي على قاعدة المشروع الوطني الفلسطيني. وتجميع نقاط الربح من مكتسبات وطنية في مسألة التحول من السلطة الوطنية إلى دولة فلسطينية كاملة العضوية معترف بها وفق القانون الدولي سيادة وحدوداً ونظاماً.
بانتظار نضوج المعطيات الاقليمية والدولية وملامح المشهد الجديد للعلاقات الدولية يمكن استعادة التوازن السياسي الداخلي للفلسطيني تحت مظلة شرعية واحدة. ونظام سياسي واحد، وثوابت وطنية واحدة وحماية المشروع الوطني الفلسطيني الذي توافقت عليه كل فصائل العمل الوطني في منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الاسلامية، مشروع الخلاص الوطني ورحيل الاحتلال الاسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
المصالحة الفلسطينية حجر الرحى لاستكمال الخطوات اللاحقة في معادلة الصراع تبدأ بتوفير الأمن والاستقرار النفسي والمعنوي الذي يحتاج إلى جرعة مقويات ضرورية والبدء بالمصالحات المجتمعية وإعادة الاعمار لقطاع غزة ورفع الحصار وفتح المعابر وإيجاد الحلول لكل نتائج الانقلاب الدموي وتداعياته.
في وضوح الرؤيا تؤكد المصالحة الفلسطينية بداية مرحلة جديدة على مسار النضال الفلسطيني ومحطته السياسية المصلحة الوطنية الفلسطينية وخلق المعادلات الجديدة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق النصر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها