بقلم/ هيفاء داوود الاطرش

لقد أضحى حق العودة تائهاً بين مفردات القانون الدولي الذي جمع الجاني والحاكم في خانة واحدة وبين الواقع المفروض والمُحكمة حلقاته من أجل إبعاد حل القضية الفلسطينية  أوتأجيله وعلى الأغلب وأده إلى ما لا نهاية ، لكنْ اللاجئون الفلسطينيون  المهجرون من سوريا بالإضافة إلى من بقي هناك يعاني ويلات الحرب، وحتى اللاجئون في لبنان وبقية دول الطوق كانوا ولايزالون هم وقود الثورة والمقاومة من أجل استرجاع الحقوق الوطنية، والتاريخ الحديث يشهد كيف كانوا يهبون نصرة لفلسطين والقدس في كل المناسبات الفلسطينية القديمة والمستجدة على الساحة السياسية .

 إنها الفصول الأخيرة لمحاولات وأد شرعية حق العودة للاجئين الفلسطينيين والتي بدأت تحبك خيوطها منذ عام 1948، حيث تعرض الشعب الفلسطيني على مر النكبات والنكسات إلى التهجير على إثر الحروب التي ألمت بفلسطين والدول العربية ومنها دول الطوق .

ويقع اللاجئ الفلسطيني في سوريا والمهجر تحت وقع تضارب رؤى وسيناريوهات وإجراءات كل الأطراف المتصارعة في سوريا ومن يرسمها إقليميا ودولياً ومن يدعمها أيضاً، والتي تستمر بالتوارد والتدافع لأن لا حسم في السياسة، فالتاريخ شهد انقلابات لطاولاتٍ عديدة على رؤوس أصحابها .

داخلياً: هناك من يفسر إجراء إغلاق الحدود اللبنانية والأردنية بأنه يدعم سيناريو حسم الصراع لطرف واحد في الأزمة السورية حيث يرون أن من مصلحة الدولة السورية عودة المهجرين إلى مخيماتهم وخاصة اليرموك مما يجبر المعارضة المسلحة السورية أو المتورطين معها من فلسطينيين إلى الانسحاب من مخيم اليرموك مثلا بعد عودة الحياة المدنية اليه بكامل تفاصيلها فيما إذا عاد اللاجئون الفلسطينيون إليه، لكن المخاوف متزايدة من عدم الحل ، خاصة ً بعد أن رُكِنَ عدد من عناصر تابعة للمعارضة المسلحة ضمن خلايا نائمة في مخيم اليرموك إثر انسحاب جبهة النصرة وكتائب الجيش الحر، ومن الممكن خروجها للعمل المسلح مرة أخرى حسب الظرف السياسي، ومن جهة ثانية فإن إغلاق الحدود يحد من هجرة الفلسطينيين إلى خارج سوريا من أجل ترسيخ ذلك الحل.

وخارجيا : تقف الحاجة الملحة للاجئين الفلسطينيين العالقين على الحدود ، والذين يودون الخروج من سوريا، حائلاً دون تطبيق السيناريو المطروح سابقا، فمنهم من يريد لم شمل عائلاتهم التي تقطعت أوصالها بين سوريا ولبنان مثلا ً إثر الأزمة السورية، ومنهم من لمس واقعياًعدم قدرته على الاستمرار تحت تهديد انعدام مقومات الحياة داخل وخارج المخيمات ، ومنهم من لديه مقابلات في السفارات الأجنبية في لبنان لدواعي الهجرة إلى الخارج حيث بلغ الذين هاجروا إلى الدول الأجنبية من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا أكثر من 50 ألف لاجئ؛ وتراكمت قوائم الأسماء  في مكاتب الأمن العام اللبناني منتظرة السماح بفتح الحدود التي أغلقت في وجه الفلسطينيين بحجج سياسية وأمنية؛ لكن بوادر انفراج تلوح نحو فتحها بعد أنباء تواردت بشأن تدخل بعض السفارات الأجنبية، لإدخال كل لاجئ فلسطيني لديه معاملة فيها من دعوة أو فيزا للدول الأجنبية المعنية .

لقد حددت الدول الكبرى في العالم حلا ً دولياً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق خرائط طريق متعددة  ، بعيدا ً عن المنظمات الدولية ،والتي لم تزد الطين إلا بلة .

حيث وقع اللاجئون الفلسطينيون فريسة لهذا القانون الدولي، عندما لم يستطيعوا الاستفادة من اتفاقيات جنيف التي تستثنيهم من الحماية ومن الاستفادة من ولاية مفوضية شؤون اللاجئين كونهم واقعين تحت ولاية هيئة ثانية هي الاونروا  حسب المادة 1/د من الاتفاقية.والذي هو سلاح ذو حدين، أحدهما قاتل فعليٌ لحق العودة ، وإن بدا نصه لغاية ٍ إنسانية يخص اللاجئين في العالم إلا أنه يستثني اللاجئ الفلسطيني للحجة المذكورة؛ وقد بدأ التطبيق فعلياً في مصر والأردن لدى لجوء الفلسطيني لها إبان الأزمة السورية.

والأخطر في قضية حق العودة  هو ما نبه له حقوقيون ومتخصصون في القانون الدولي في هذه الظروف وهو أن اللاجئ الفلسطيني يفقد حماية وخدمات منظمة الاونروا، في حال وجوده خارج مناطق عمل الاونروا، أي بصريح العبارة من هاجروا إلى الدول الأوروبية والاسكندنافية، هؤلاء سوف يعتبرون خارج التزام منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( الاونروا ) بهم؛حسب القانون الدولي، وبالتالي أصبحت الفرصة سانحة وجاهزة على طبق من ذهب بتخلي الأونروا عن خدماتها للاجئين الفلسطينيين التي كانت في السنوات الأخيرة تحاول جاهدة تقليص خدماتها، هذه المنظمة التي كان الشعب الفلسطيني يتمسك ببقائها كونها الشاهد على نكبة فلسطين وشعبها، وفي هذه القضية بالذات أرى أن عودة اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا إلى أراضي الدولة الفلسطينية في الـ67 هو الحل الأمثل، بدل هجرتهم للخارج ،حيث لا تزال الأونروا تمارس مهامها وخدماتها في الضفة والقطاع، رغم ما حدث من محاولات تقليص خدماتها هناك لنفس الهدف.

وهنا أدعو كل المتخصصين بالقانون الدولي وخاصة الفلسطينيين والعرب للتمحيص ملياً في كل القوانين المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين والتركيز على إيجاد مخارج تحمي الحقوق الوطنية المشروعة، ويبقى قانون 194 هو قانون فردي ولا يمكن لأي هيئة أو منظمة أو كائن من كان التخلي عن هذا الحق نيابة عن الشعب الفلسطيني واللاجئ منه خاصة.

صحيح أن هناك تغييب لقضية اللاجئين الفلسطينيين من قبل المجتمع الدولي ، وعدم قدرة القيادة السياسية الفلسطينية على فرض حل عادل لقضيتهم في ظل الحصار المطبق على منظمة التحرير الفلسطينية والضغوطات الدولية المفروضة عليها ، وغياب البعد العربي والإسلامي الهش أصلا ً، هذه القضية التي باتت خارج إطار التداول في الحلول السياسية، وعدم تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بقضية اللاجئين، لكن اللاجئ الفلسطيني يبقى حاملا  للهم الوطني ، وإن تحكمت به أحياناً غريزة الحفاظ على الذات وهذا أقل رد فعل طبيعي إنساني يقوم به في مواجهة الحرب المتعمدة المفروضة عليه من أجل إنهاء كيانه ، بل يؤكد اللاجئ الفلسطيني المهجرفي سوريا ومنها أنه وطني بامتياز ، ويرفض وصفه بالتخلي عن حقوقه الوطنية .

وليس صحيحا أن الشباب الفلسطيني قد تخلى عن حقوقه الوطنية فقد اتهموا بذلك دون مقابل، وإن عدة أفراد لا يمثلون أبداً هذا الشباب الحر الذي لم ولن ينسى وطنه فلسطين، رغم إهمال قضاياه، وعدم قدرته على تأمين مستقبله بسبب الظروف الراهنة في سوريا من جهة؛ والقوانين الموضوعة في لبنان أو غيرها من الدول العربية والتي لا تعامله كباقي مواطنيها من جهة أخرى .

 في الواقع أن حق اللاجئين في العودة لن يضيع، لكن أعتقد أنه سيطول تحقيقه إلى أوانه، في ظل الظروف السياسية في المنطقة والمتردية للقضية الفلسطينية، وربما في الوقت ذاته سيتفاجأ العالم بتشكيل لوبي فلسطيني نوعي في بلاد المهجر من أولئك المهاجرين من سوريا، يطالب بحقوقه عبر مقاومة فلسطينية شعبية  بحلة جديدة وستكون حينها الفزاعة لأعداء هذا الشعب العظيم، وستمتد أرض المعركة بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الصهيوني هذه المرة عبر مساحات العالم بطريقة أخرى ومفاجئة حتى تحقيق النصر والعودة .

أما الذين يراهنون على انطفاء شعلة الكفاح الفلسطيني فهم الواهمون الغارقون في أحلامهم؛ فأطفال الشعب الفلسطيني لايزالون يرضعون حليبا لا يفسد عبرالزمان اسمه فلسطين ويتنفسون هواء وطنهم من خلال كل تفاصيل حياتهم، والذي لا يدركه ذاك العدو أن هذا الشعب لديه المقدرة على تقبل الآخرين والتأثير بهم، من خلال المشهد الثقافي والحضاري الذي يحملونه إرثا ً لا يموت عبر الأجيال.