بقلم: ألان سركيس/ جريدة الجمهورية
مشى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في أرض المسيح، بين رعيّته وشعبه، حاملاً الصليب الذي يرمز إلى القيامة، غيرَ آبهٍ للانتقاد والتخوين اللذين تعرَّض لهما، زارعاً الفرح بين المسيحيّين الموجودين هناك، ولو لأيامٍ قليلة، ليعود بعدها الى بلده لبنان، وهمومه اليومية واستحقاقاته التي لا تُنجز في مواعيدها.
على وقع الزغاريد والصيحات ونثر الورود والأرز، هلَّل الموارنةُ الموجودون في إسرائيل للزائر الكبير، وهم الذين انتظروه بفارغ الصبر «ليشمّوا» فيه رائحة لبنان الذي يسمعون عنه ويحلمون بزيارة أراضيه ومقاماته الدينية من حريصا الى وادي قنوبين وكفيفان وحردين وجربتا على حدّ قول راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدّسة للموارنة المطران موسى الحاج لـ«الجمهورية»، الذي أكّد أنّ 'الموارنةَ والفلسطينيّين يتلهفون لزيارة لبنان مثلما يتلهّف المسيحيون لزيارة كنيسة المهد والقيامة، والقدس'.
بطريرك الموارنة يُقلَّد وسام نجمة القدس من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنّها بداية المصالحة الحقيقية، حيث طوى الراعي صفحةَ النزاع التاريخي الدموي بين الموارنة والفلسطينيين، وأسَّس لمرحلةٍ جديدة من العلاقات بين هذين المكوّنين، ما أسكت وسحَب الذريعة من 'الممانعين' المعترضين على الزيارة.
فقد ظهر جلياً أنّ أحد أهداف هذه الزيارة، كان ردم الهوّة بين الموارنة والفلسطينيّين، وليس التطبيع مع إسرائيل، وما الأصوات التي خرجت من محور 'الممانعة' إلّا صراخ في الهواء، تحمل في طياتها نياتٍ غيرَ صافية، حسبما يقول بعض الأوساط الكنسية الذي يعتبر أنّ 'هذه الاعتراضات تصبّ في مصلحة إسرائيل، وإن كانت قد خرجت من أناسٍ يصنّفون أنفسهم في خانة المقاومة، إلّا أنهم يريدون أن تبقى «الجرّة مكسورة» بين العرب، تحت منطق «فرّق تسد» ظنّاً منهم أنهم يحتكرون القضية الفلسطينية'.
هذا على الصعيد الفلسطيني- الماروني، أما الفاتيكان فقد انصرف الى تقويم زيارة البابا فرنسيس إلى الأردن وإسرائيل، فيما بقيت عيناه مفتوحتين على زيارة البطريرك. وتؤكّد دوائر الفاتيكان أنّ 'الراعي سلك الطريق الصحيح وهو يكمل مشواره بخطواتٍ مدروسة'، موضحة أنّ 'ذهاب الراعي الى فلسطين وحيداً وليس ضمن وفد البابا يشكل نقطةَ قوّة له لا نقطةَ ضعف مثلما يقول البعض، خصوصاً وأنّ دعم الفاتيكان للراعي مطلق في كل خطواته'.
هذه الزيارة تتفاعل في الأوساط اللبنانية، والاكليروس الماروني يراقب صداها بين مختلف الطوائف والأحزاب، ويقول راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس مطر لـ'الجمهورية' إنّ 'الزيارة ممتازة، خصوصاً أنه صلّى في بيت ساحور في حضور السلطة الفلسطينية والمؤمنين'، لافتاً الى أنّ 'الزيارة أخذت ملامحها الحقيقية، لأنّ البطريرك ذهب للاطمئنان الى رعيته، وبرهَن أنّ الموارنة متضامنون مع العرب في داخل اسرائيل من أجل نيل حقوقهم'.
ويضيف: 'البطريرك ذهب الى يافا أي المنطقة المحتلة، وقال للناس: لا تبيعوا أرضكم، فهناك إرادة اسرائيلية بطرد جميع الطوائف لإسكان يهود مكانهم، فالبطريرك أراد أن يتمسّك العرب كلّهم بأرضهم لكي يصمدوا وينالوا حقوقهم المشروعة'.
ويؤكد مطر أنّ 'البطريرك يدخل لصناعة السلام وعودة الحق الى أصحابه'، موضحاً انّ 'الزيارة لها أبعاد تاريخية والمعترضون عليها لم يفهموا معناها، وسيفهمونه عندما تنتهي'.
اذاً، لم يقتصر الترحيب بالاكليروس الماروني، فجميع المسيحيين يحلمون بزيارة الأراضي المقدّسة ويدعمون زيارة الراعي. وفي هذا الإطار، يؤكد مطران بيروت للسريان الارثوذكس دانيال كورية عبر 'الجمهورية' أنّ 'زيارة الراعي هي حقٌ طبيعي وهي زيارة مقدسة، ففلسطين مهد المسيح، ونحن كخلفاء الرسل، مجبورون بزيارة رعيتنا وأرض المسيح، لذلك أشدّ على يديه وأهنّئه على المواقف الجريئة التي يتخذها»، معتبراً أنّ «الزيارة تشجّع المسيحيين الموجودين هناك وتدعم صمودهم ووقوفهم في وجه الاستعمار الصهيوني، وعدم الخوف من تصرفاته'.
ويلفت كورية الى أنّ 'الأقلية السريانية الموجودة في القدس هلّلت لمجيء الراعي واستقبلته أحسن استقبال وكأنّه بطريركهم، فخرجت كشافتنا في دير مار مرقس في القدس، والفرحة تغمر الناس الذين قالوا إنّ زيارته أعادت الروح لنا، وشعرنا أننا لسنا متروكين'. ويشدّد على أنّ 'الراعي ذهب كرسول سلام حاملاً الصليب وليس السلاح، حيث يشكل الصليب والتعاليم الإلهية سلاحاً أقوى من كل الأسلحة'.
خطّ الراعي بزيارته الأراضي المقدّسة صفحاتٍ جديدة من تاريخ البطريركية المارونية، فتوحّد الموارنة خلفها في وقت فرَّقهم استحقاق رئاسة الجمهورية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها