مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في 1965، تبنتفصائل منظمة التحرير أسوة بكل الثورات، التحرير التدريجي للارض المحتلة وبناء السلطةالوطنية على اي جزء كمقدمة لاقامة الدولة المستقلة على كامل الاراضي المحررة. بتعبيرآخر، لا احد من الوطنيين ضد تحرير اي جزء من الارض الفلسطينية. ولكن التحرر المرتبطارتباطا عضويا بالتحرر والاهداف الكاملة للشعب العربي الفلسطيني.

غير ان حركة حماس تعتمد رؤية عقائدية مغايرة ومتناقضةمع الرؤية الوطنية، انطلاقا من خلفيتها الدينية، التي تبيح لها التعامل مع الارض الفلسطينيةالمحتلة كأي ارض اخرى في اصقاع الدنيا؟ على اعتبار ان الملك لله، وليس للعباد، وبالتاليتسقط معيار الهوية والشخصية الوطنية. وتلغي الخصائص التاريخية للشعب العربي الفلسطينيدون اي واعز سياسي او ثقافي حضاري او قانوني.

في عام 2010 طرح الدكتور محمود الزهار كرئيس للجنة السياسيةلحركة حماس، موضوع اعتبار قطاع غزة "أرضاً محررة" مع ما يعنيه ذلك عملياتأبيد الامارة الحمساوية أولاً، وتأكيد انفصالها عن الضفة بما فيها القدس، وثالثا ترسيخالانقلاب والتمزق للنسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، ورابعا ضرب وحدة القضية والشعبوالارض والاهداف الوطنية، وخامسا تقديم خدمة مجانية لدولة الابرتهايد الاسرائيلية ومصالحهاواهدافها الاستراتيجية. لأن تمزيق وتشظي الشعب الفلسطيني، كخطوة على طريق تصفية قضيتهمصلحة اسرائيلية 100%.

وهذا ما رمى اليه شارون في عام 2005، عندما نفذ خطةالانسحاب احادي الجانب من قطاع غزة في آب/ اغسطس وايلول/ سبتمبر من العام المذكور.كما ان الفكر السياسي الاسرائيلي يقوم على قاعدة استعمارية مؤداها، ان الدولة الفلسطينيةستكون في قطاع غزة مع مدها جنوبا باتجاه العريش وبعرض 30 كليو مترا، واما الضفة الغربيةبما فيها القدس الشرقية فهي من وجهة نظر الرواية الصهيونية "يهودا" و"السامرة"عماد "الدولة اليهودية". كما ان كل الممارسات والانتهاكات الاسرائيلية العدوانيةمن تهويد ومصادرة للاراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات الاستعمارية عليها، والسياساتوالخطط والقوانين جميعها سياسة تصب في خيار دفع الفلسطينيين للرحيل الاختياري، وانلم يكن ممكنا فمن خلال الطرد الجماعي عبر تنفيذ مخطط الترانسفير بوسائل وأدوات مختلفةتخدم الهدف والغاية الاستعمارية الاسرائيلية.

بعدما طرح الدكتور الزهار الموضوع قبل عامين، أثيرتردود فعل غير عادية وطنية وقومية وخاصة من جمهورية مصر العربية، التي رفضت ممثلة بجهازالمخابرات العامة ورئيسه آنذاك اللواء عمر سليمان، لأن التساوق مع الرؤية الحمساويةالضيقة، يعني إخلاء مسؤولية دولة الابرتهايد السياسية والقانونية عن مسؤولياتها، وكمااشير سابقا يعني تعميق عملية تمزيق الشعب الفلسطيني. مما دفع قيادة حماس الى التراجععن مواصلة طرح الموضوع.

لكن بعد التحولات العربية، وفوز الرئيس الدكتور محمدمرسي، ممثل حركة الاخوان، اعادت حركة حماس طرح الموضوع مجددا، اي اعتبار قطاع غزة"منطقة محررة"، رغم ان العديد من قيادات الحركة نفوا ذلك بدءا من موسى ابومرزوق مرورا بمحمود الزهار وصولا للناطقين الاعلاميين. غير ان المعلومات الراشحة منمصادر "حماس" تفيد انها طرحت الموضوع مع الرئيس مرسي حينما التقى الوفد القياديبرئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، وسيعيد اسماعيل هنية طرحه مجددا مع لقائهيوم الخميس القادم مع مرسي.

بالتأكيد، القيادة المصرية الاخوانية ليست ضد المبدأ،ولكنها راهنا لا تستطيع الاقدام على مثل هذه الخطوة رسميا لاعتبارات فلسطينية وعربيةودولية، لذا قد تقدم مصر مرسي، إذا قدر له تنفيذ سياساته الاخوانية، على تمرير المخططالحمساوي دون ضجيج، وتكريسه عمليا وبهدوء في الواقع العملي، الامر الذي يفرض على القيادةالوطنية والدول العربية وكل القوى المؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية في العالم علىالتصدي للخطوة الحمساوية ولسياسات الاخوان المسلمين المتناقضة مع المصالح الوطنية الفلسطينية.

على قادة حركة حماس، إذا كانوا فعلا معنيين بالمقاومةوالمصالحة الوطنية ووحدة الارض والشعب والاهداف، التوقف كليا عن التساوق مع المشروعوالمخطط والاهداف الاسرائيلية، وبالتالي الكف عن طرح موضوع فصل القطاع عن باقي الاراضيالمحتلة عام 1967. لأن ذلك يصب في مصلحتها أولاً ومصلحة الشعب العربي الفلسطيني ثانيا.وعليها (حماس) ان تتذكر ان حرية قطاع غزة من حرية فلسطين. ولا يعني التعامل مع عمليةالتحرير التدريجية للارض الفلسطينية وصولا لاقامة الدولة المستقلة وذات السيادة علىحدود الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيينعلى اساس القرار 194، اختطاف القطاع تحت ذرائع وحجج واهية، لان القطاع ما زال خاضعاللاحتلال الاسرائيلي، ودولة اسرائيل، هي المسؤولة المباشرة عن قطاع غزة امام العالموامام الفلسطينيين والعرب. ولا يجوز اعفاؤها من مسؤولياتها السياسية والقانونية والاخلاقيةتجاه الشعب والقيادة السياسية الفلسطينية.