في سابقة حميدة، كانت حكومة د. الحمد الله، طرفاً في تفاهم مع حكومة قطر، حول تشغيل عدد من الفلسطينيين المؤهلين والقادرين على العمل. جاءت الإشارة الأولى من قطر نفسها. وقد كتبنا مراراً، نؤكد على ضرورة استثمار حضورنا السياسي في الاقليم وفي العالم، لخدمة الحال الاجتماعي الاقتصادي لشعبنا. وفي سياق ذلك أعربنا عن تمنياتنا بأن تولي الحكومات السابقة في اتصالاتها الاقليمية، أهمية لموضوع تشغيل الشباب الفلسطينيين في أقطار الوفرة المالية العربية وحيثما تُدار وتُنفذ عمليات التنمية والتوسع الحضري والاستثمار في البنية التحتية، من صحة وتعليم وخدمات. ذلك استناداً الى كون العرب مؤهلين لسماع شروحات تتعلق بالأثر الايجابي لتفاهمات واتفاقيات العمل، على صمود الشعب الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية وعلى اللُحمة بين الفلسطينيين وأشقائهم العرب، وعلى صدقية الخطاب العربي الرسمي. فالمبادرات العربية الايجابية على هذا الصعيد، تعطي الصدقية فعلاً، للمواقف السياسية على النحو الذي لا تفعله الخطابة ودواوين الإنشاء البلاغي في القصور. أما من الجانب الفلسطيني، فإن عجز الحكومات السابقة، عن انجاز أية اختراقات لسوق العمل العربية، لصالح الشباب الفلسطيني؛ كان وظل يمثل جزءاً معتبراً من مساحة الهواء الناقص، في مناخات عمل هذه الحكومات. وكانت حكومات مصر والسودان والمغرب وسواها، تولي أهمية كبرى لأسواق العمل العربية وتفتح المسارب للشبان والخريجين والعمال المهرة، من خلال اتفاقيات وتفاهمات، مستفيدة من مواقعها السياسية.
وبالطبع، لم نكن ننتظر من المستوى السياسي لأية سوق عربية أن يبادر الى الإعراب عن الرغبة في استقدام الشبان الفلسطينيين للعمل، مثلما كان يحدث أيام كنا نختزل خيمة اللاجئين وبلا حركة وطنية. أيامها، كان الرهان رابحاً على الشاب الفلسطيني المعلم أو الطبيب أو المهندس أو العامل. وعندما أصبحت صورتنا قرينة بملامح الثائر المسلح، استُبدلت الرغبة في الاستعانة بالشاب الفلسطيني، بالمساعدة المالية للثورة الفلسطينية، على قاعدة أسعدك الله وأبعدك، فضاقت مسارب الانتقال للعمل في الخليج، وتطورت القوانين ووضعت الضوابط التي حدّت من تدفق العاملين الفلسطينيين الى سوق العمل العربية، بنسب متفاوتة بين سوق وأخرى. وكأن الفلسطيني الذي يخلق بيئته المدنية والانتاجية وسط الحصار وفي أجواء العدوان، سيكون معنياً وهو يفتش عن رزقه وعن مقومات صمود أسرته على أرضها؛ سيُنشىء مناخاً آخر يقلق المستوى السياسي لأسواق العمل. ذلك علماً بأن بيئة العمل في الأسواق العربية لا عدو للفلسطيني فيها، وإنما فيها شقيق عربي يسمونه "كفيلاً". وكلما استعيدت فرضيات التوطين، كان المستوى السياسي لأسواق العمل العربية، ينام ويقوم على كابوس توطين الفلسطينيين في بلاده التي تستوعب بلوشاً آسيويين وإيرانيين من العجم. وحيال مثل هذه العوائق، كان المستوى الرسمي الفلسطيني، مضطراً الى عدم فتح ملفات التشغيل، لكي يحافظ على ملفات التمويل. ودولة قطر هذه، شعباً وقصراً، التي يحتفظ لها الفلسطيني بامتنان كبير، بسبب مآثر العمل المنتج والعيش المشترك، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات؛ أصبحت صارمة للأسف في قرارها عدم استقدام عاملين فلسطينيين، ما دعا بعض الكادرات الطليقة خارج فلسطين المحاصرة، يبتاعون جنسية دولة "جُزر القُمر" التي لا يعرف معظمهم موقعها على الخارطة. فالقمر يستدير ويضيء عند حمل جنسية جُزره. ومن المفارقات أن المراسيم واللوائح، كانت تضيّق على الفلسطيني كلما اتسع وطغى طنين "الجزيرة" وصوت خطابها الجهادي والمقاوم المُحلى بنكهة قرضاوية، حتى أصبح من يعمل في قطر ويخدمها ويطبب مرضاها أو يعلم أولادها، لا يستطيع استقدام زوجته لكونها فلسطينية وقمراً بلا جُزر.
غير أن انخراط الحكم في قطر، بالمطلق الجهادي الفلسطيني الذي كان؛ وسّع الفجوة بين الخطاب والممارسة على نحو محرج ومثير للأسئلة. واشترك الفلسطيني صاحب "برنامج المقاومة" بالمستوى السياسي القطري صاحب خطابها وإعلامها ومشروعات دعمها، في منظومة "الإخوان" وُعلقت في غزة يافطات تحمل صور حمد وتميم، وكان لا بد من رد التحية بأحسن منها وبشكل ملموس يحس به الناس ويفتح أفقاً في الجدار الكئيب. من هنا جاءت الإشارة القطرية بأن الدوحة ستتقبل العاملين الفلسطينيين. ولا ندري ما الذي جرى لكي تعود قطر عن إشارتها. ونتساءل بلا مؤاخذة: هل كان التراجع ضمن صفقة المصالحة أو تسوية أزمة السفراء وهي في أهم حيثياتها قضية أمنية مثلما يتبادر الى الذهن بسبب هذا التراجع؟!
قطر وتشغيل الفلسطينيين/ بقلم عدلي صادق

21-04-2014
مشاهدة: 2638
عدلي صادق
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها