بعد انتهاء أعمال القمة العربية التي انعقدت قبل أسبوعين في الكويت، لم يصدر عن القمة بيان ختامي، بل صدر "إعلان الكويت" الذي تضمن الرفض المطلق والقاطع للاعتراف ب(إسرائيل) دولة يهودية، وكان من الطبيعي أن يتبنى "القادة" قرار وزراء خارجيتهم الذي يسبق عادة القمة، ويحدد اتجاهاتها وتوجهاتها، لكن، كما أشار المراقبون، فإن "ضغطاً" أميركيا قد مورس على الملوك والرؤساء والأمراء العرب، حتى لا يصدروا موقفاً جماعياً يمثلهم بهذا الخصوص.

ربما كان من نافل القول أن نعيد التذكير بمدى ارتهان الموقف الرسمي العربي للسياسة الأميركية في المنطقة، ومنها ما يتعلق بالصراع الفلسطيني / الإسرائيلي، الذي تحول بفضل هذا النظام العربي الرسمي، الكابح لتطلعات الشعوب العربية، في كل نواحي حياتها ومصالحها، منذ عقود طويلة، من صراع عربي / إسرائيلي، الى صراع فلسطيني / إسرائيلي، وتحول النظام العربي من مشارك في هذا الصراع الى مؤيد أو داعم بهذا القدر أو ذاك للجانب الفلسطيني، ومن ثم تحول الى محايد ومراقب، كما نلاحظ فيما تقوم به كثير من أدوات إعلام بعض الأنظمة العربية، مثل "الجزيرة" و"العربية"، التي حين تغطي فصلا من فصول المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، تغطيه بكثير من " الحيادية والمهنية " لدرجة ان تستضيف شاهدا أو معقبا أو معلقا من كل طرف، واحدا فلسطينيا وآخر إسرائيليا !

المهم ونحن نتابع الآن الفصل الأخير من فصول المواجهة التفاوضية بين الجانبين، يتبين لنا، لماذا يحرص الأميركيون ومن ثم، الإسرائيليون، أو بعكس الترتيب، على استمرار مثل هذه المفاوضات، شرط ان لا يتم مقابلها تقديم أي تنازل للجانب الفلسطيني، لا إطلاق سراح أسرى، ولا وقف استيطان، ولا إعادة انتشار في المنطقة (ج)، ولا تخفيف من الإجراءات الاحتلالية، إن كانت تلك المنتشرة عبر الحواجز في الضفة أو تلك المتعلقة بحصار غزة، وذلك تجنبا لمواجهة ناضجة ومنظمة، يتم خلالها إطلاق كل طاقات الشعب الفلسطيني في الميدان، ومن ثم يمكن لنا أن نتصور حجم التعاطف والتعاضد الذي يمكن ان تحيط به الشعوب العربية مثل هذه المواجهة أو الانتفاضة الجديدة .

حتى الآن، ودون إطلاق ثورة الشعب الفلسطيني، بل وحتى دون تحقيق المصالحة والوحدة الداخلية، وفقط مع ثبات في الموقف الرسمي للسلطة، تراجع الإسرائيليون والأميركيون عن مطلب الاعتراف بيهودية الدولة كشرط للتوصل الى حل او لاتفاق إطار حتى يتم التجديد للمفاوضات، بل تراجعا عن الحديث عن يهودية الدولة وحتى عن اتفاق الإطار، وحين لجأ نتنياهو إلى عدم الالتزام بإطلاق الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، وظن بأن الجانب الفلسطيني سيسارع إلى إعلان وقف التفاوض، فوجئ بالرد الفلسطيني الذكي والمتزن والموجع، المتمثل بطلب عضوية فلسطين في خمس عشرة منظمة ومعاهدة دولية .

الآن، ليس أمام الجانب الأميركي، إلا أن ينسحب من هذه المفاوضات التي يديرها لحساب الإسرائيليين، بما يطلق الفلسطينيين والإسرائيليين الى فصل جديد من المواجهة متعددة الأشكال والمستويات، أو البحث عن الاستعانة بالآخرين لإجراء الوساطة التفاوضية، من نمط جنيف، وهذا يعني تطوراً لصالح الجانب الفلسطيني، حين تدخل على الخط روسيا والاتحاد الأوروبي وربما الأمم المتحدة، او أن يضطر الجانب الإسرائيلي لتقديم التنازلات الواجبة لدفع ثمن استمرار المفاوضات، وهي ان لم تكن تحديد إطار جدي يفضي الى الانسحاب، فليس أقله من إطلاق ألف أسير فلسطيني، في مقدمتهم القادة : مروان البرغوثي، أحمد سعدات وفؤاد الشوبكي .

لكن وحيث إننا في اللحظة الأخيرة قبل الوصول الى الموعد النهائي للفترة التفاوضية الحالية، وهي مدة ثلاثة أسابيع، فان الحبل يشهد شدا لآخر مدى، حيث انه قد ينقطع في أية لحظة، أو يكون سبباً في أن يقوم احد الطرفين بإرخائه من جهته .

وفي هذا الفصل الأخير، استعان الرئيس عباس مجددا بالجامعة العربية، نظرا لأن القمة لم تغطه في هذا المجال جيداً، وغدا ينعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب، لحماية ظهر أبو مازن، الذي هدد بوضوح بأنه سيطلب قمة طارئة في حال فشل وزراء الخارجية العرب في الرد على الانحياز الأميركي، وعلى التهديد الإسرائيلي بسحق السلطة من خلال حجز أموال الضرائب والمنح المالية التي يقدمها المانحون الدوليون .

هذة المرة أخذ أبو مازن بالحسبان، ما سبق وان فعله وزراء الخارجية العرب، حين خذلوه في مرة سابقة، وجبنوا عن اتخاذ الموقف وردوه إليه "بتأييدهم" لموقفه فقط، دون تحمل مسؤولية المشاركة في المواجهة، وهذا ما يدركه نتنياهو الذي تبجح بالقول ردا على دعوة أبو مازن العرب للاجتماع بالقول امام "الإيباك" بأن حكاما عرب كثرا أخبروه بأنهم لا ينظرون إلى (إسرائيل) كعدو، وربما كان هذا القول صحيحا، حيث فعلا أن كثيرا من حكام العرب هم هكذا، إلا أن نتنياهو لا يتذكر أو أنه قد نسي بأن تخاذل الكثير من الحكام العرب في حرب 48 كان السبب في ثورة التحرر التي قادها عبد الناصر، وليس مستبعدا أبدا، بل ربما كان أمرا مرجحا ان تكون مواجهة فلسطينية / إسرائيلية قادمة سببا في مواجهة عربية _ شعبية / إسرائيلية حاسمة، حيث ان انتفاضة فلسطينية جديدة ستطلق العواصم العربية لإعلان الغضب الشعبي، أيام الجمع، خاصة، من أجل تحقيق كل طموحات الشعوب العربية في الحرية والتحرر، وفي العدالة الاجتماعية والوحدة.