الإضراب الذي يشارك فيه قرابة ألف وستمائة أسير فلسطينيداخل سجون الاحتلال الإسرائيلي دخل يومه التاسع ، وأعتقد أنه سوف يتسع بالتدريج لكييشمل كل السجون وكل الأسرى داخل السجون ، ولكن من أجل أن نقصر مدة الإضراب ، ونجنبأسرانا الخسائر المحتملة نتيجة استمرار الإضراب مفتوحا بلا نهاية ، فلا بد من حراكفلسطيني على المستوى الرسمي والشعبي يصل صداه إلى العالم العربي وإلى المجتمع الدولي، فكيف يتحقق ذلك ؟؟؟

هذا هو موضوع الندوة التي عقدتها شبكة المنظمات الأهليةفي قطاع غزة التي يرأسها الأخ والصديق العزيز محسن أبو رمضان ، ومديرها التنفيذي الأخوالصديق العزيز أمجد الشوا في مدينة غزة يوم أمس الثلاثاء.

و الملاحظة الأولى التي أريد أن اسجلها في هذا السياق،أن الحركة الفلسطينية الاسيرة تركت خلال العقود الماضية أثرا عميقا في محطات النضالالفلسطيني، فقد تمكنت من خلال نضالاتها وابداعاتها أن تقلب المعادلة التي يريدها الاحتلالالإسرائيلي رأسا على عقب، فقد كان الاحتلال ينطلق من فلسفة مؤداها أن يكون الأسير الفلسطينيعبئا على نفسه وعائلته وشعبه، ولكن الحركة الفلسطينية الأسيرة تحولت إلى رافعة الوطنيةبامتياز، وجددت حضور هذا الأسير حتى وهو داخل السجن وراء القضبان وجعلته مشاركا فييوميات النضال الذي يواصله الشعب الفلسطيني، وتحولت عنابر السجون إلى قاعات للتعليم،وقاعات للتثقيف السياسي، وتحول هؤلاء الأسرى إلى قادة ورموز في مسيرة شعبهم النضالية.

و لكن هذا الصعود للحركة الفلسطينية الأسيرة تم من خلالصعود ثورتهم ونضالاتها الكبيرة، أي عندما كانت الثورة الفلسطينية في قمة صعودها فيفترة الكفاح المسلح، أو في قمة صعودها في سنوات الانتفاضة الأولى، فإن هذا الصعود انعكسبدوره على يوميات الاسرى داخل السجون الإسرائيلية، وتفاعلهم، وانفتاح الأفق امام بطولاتهموابداعاتهم في مواجهة سلطات الاحتلال، حيث تمكنوا من تحقيق العديد من المكتسبات التيتجعل حياتهم أفضل تحت عنوان الكرامة والثقة بالنفس.

في السنوات الأخيرة تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيليالنكوص إلى الخلف وتجريد أسرانا البواسل من حقوقهم ومكتسباتهم سواء على صعيد ما يمنحهلهم القانون الدولي، أو على مستوى تفاصيل حياتهم اليومية، حيث الإهمال الطبي الذي يصلإلى حد الخطورة على الحياة، والسجن الإداري، والعزل الإنفرادي، ومنع المحامين، ومنعزيارة أهاليهم، وخاصة في قطاع غزة، الذي تعتبره إسرائيل كيانا معاديا وتطبق بشأنه ماتطبقه مع الدول الأخرى مثل سوريا أو لبنان أو غيرها، فهي لا تسمح لأهالي السجناء منتلك الدول أن يزوروا ابناءهم، وكذلك الحال مع قطاع غزة !!!

دعنا نقول، ان صعود الثورة، صعود نضالنا الوطني انعكسإيجابيا على نضالات الأسرى داخل السجون، وأن التراجعات التي حدثت على الصعيد الوطني،وخاصة الانقسام الأسود، انعكس سلبيا على الحركة الفلسطينية الأسيرة، ولكن بدء هذا الاضرابالكبير عن الطعام الذي نأمل أن يشارك فيه الجميع حتى يتم الضغط أكثر فتقصر مدته ونتلافىالخسائر الكبيرة، فإن الأسرى هم الذين يأخذون المبادرة، أي أنهم يخترقون الحالة القائمة،لا مفاوضات، ولا مقاومة، ولا مصالحة بل جمود وتآكل !!! ها هم الأسرى يفتحون لنا أبواباواسعة لنرتادها، ومن خلال دعمهم فإننا نقوم بدعم وإحياء مشروعنا الوطني الذي يتعرضهذه الأيام إلى صعوبات خارقة.

كيف يتحول دعم الأسرى إلى حضور يومي، وإلى إبداع وتواصلمستمر، كيف يرى الأسير الفلسطيني قضيته مطروحة في حياة شعبه كل يوم، مطروحة في الرأيالعام العربي والدولي، مفهومة بكل تفاصيلها واحتياجاتها، وليس مجرد عناوين باهتة أوغامضة !!! كيف تقوم كل مؤسساتنا الرسمية وكل هيئاتنا الشعبية بدورها ؟؟؟ كيف يضرب ألفوستمائة أسير عن الطعام، ويخوضون معركة الأمعاء الخاوية بينما نحن كشعب، وكهيئات رسميةواهلية، نمر عن خيام الاعتصام وكأنها ليست خيامنا، وليست تخصنا، فارغة وشاحبة !!!

أين هم مئات الآلاف من أسرانا المحررين الذين ذاقوامرارات السجون الإسرائيلية ومعاناتها الكبيرة ؟؟؟ أين الآلاف المؤلفة من شباب جامعاتنا،وتلاميذ مدارسنا ؟؟؟ أين هم شعراؤنا وكتابنا ومثقفينا، أمامهم الجرح والبطولة، المعاناةوالصمود، الألم والأمل، فلماذا لا يغرفون من ينابيع هذه الحالة التي يصنعها أبطالناالأسرى وهم داخل السجون ؟؟؟

هذه هي الأسئلة وهذه هي الرؤى والهواجس التي ناقشتهاالندوة التي عقدتها شبكة المنظمات الاهلية بالمشاركة مع لجنة الأسرى للقوة الوطنيةوالإسلامية التي مثلها الأخ والصديق العزيز رفيق حمدونة، وهو ناشط معروف على نطاق واسعفي مجال حقوق الأسرى ومتابعة قضاياهم.

أتمنى أن ندخل بشجاعة هذا الباب الذي فتحه لنا الأسرىبإضرابهم الكبير عن الطعام، وأن نتخلص من حالة الجمود التي نعيشها هذه الأيام وشكرالأسرانا البواسل الذين رغم ألامهم ومصاعبهم وجراحهم يفتحون لنا أبواب الأمل.