التصعيد الإسرائيلي في القدس وتجاهالأسرى وحول القدس، يجب أن يقلق الفلسطينيين جداً، ذلك أنه يشير إلى محاولة إسرائيليةلإغلاق قوس التفاوض نهائياً، خارج حدود القدس أولاً وقبل كل شيء، كذلك يشير إلى إجراءإسرائيلي استباقي، يسبق أية محاولة فلسطينية لفتح الجبهة الدبلوماسية مجدداً، داخلأروقة الأمم المتحدة، حول مشروع قرار عضوية فلسطين في الأمم المتحدة أو حول انتهاكاتالاحتلال لمدينة القدس كما لوّح بذلك المؤتمرون في الدوحة الأسبوع الماضي، أو حول الاستيطان،حيث يبدو أن السلطة الفلسطينية بدأت تراجع ذاتها وتفكر في العنوان الأنسب لفتح المعركةفي الأروقة الأممية، والذي يضمن "موافقة" المجتمع الدولي، الأوروبي منه خاصة.

 ورغم أن أسيراً واحداً اسمه خضر عدنان ألحق هزيمةبالسجان الإسرائيلي وقدم درساً في "التفاوض" للمفاوض الرسمي، وفتح بعد انتصارهعلى السجان الباب لهناء شلبي وللآخرين لإبقاء باب المواجهة بين الحركة الأسيرة والسجانالإسرائيلي مفتوحاً، ورغم أن المواطنين الفلسطينيين قد اجتازوا خطوط الأرقام التي تقسمهم،بين 48 و67 وتصدوا ببسالة لقطعان المستوطنين والمتطرفين اليهود الذين حاولوا فتح معركةالقدس على مصراعيها قبل أيام، إلا أن القيادة الفلسطينية، ما زالت تعتقد أن مركز المواجهةإنما هو أروقة الأمم المتحدة .

 بالطبع لا أحد يمكنه أن يتجاهل انحسار الاهتمام الدوليبالملف الفلسطيني، نظراً لوجود ملفات ساخنة إقليمية، حتى الإعلام العربي مشغول فيها،لكن في الوقت ذاته لابد من ملاحظة انه سبب سخونة كل الملفات الإقليمية يعود إلى نزولالمواطنين للشارع، ليصنعوا قدرهم بأنفسهم، وليرسموا حدود مستقبلهم، بلفظ أنظمة الاستبدادوالاستفراد، وهذا يجب أن يقدم درساً للفلسطينيين مزدوج المعنى والغاية.

 السؤال هنا، هو حول السبب الذي يحول حتى اللحظة دونانطلاق الربيع الفلسطيني، وهل يعود السبب إلى أن الهدف كان أوضح عند الشعوب العربيةالتي أطلقت ربيعها، وهو إسقاط النظام الحاكم، فيما يواجه الفلسطينيون احتلالاً إسرائيلياًوفي الوقت ذاته سلطتين ونظام فصائل، بمجمله ومجموعه غير ديمقراطي، أي أن الهدف أمامالربيع الفلسطيني سيكون مركباً، أم أن هناك سبباً آخر أو أسباباً أخرى، ربما كانت الإجابةالأدق هي أن هناك أكثر من سبب، فبالإضافة إلى وجود هدف مركب وصعب التحقيق أمام الشعبالفلسطيني، فإن إرث الفلسطينيين السياسي ما زال هنا _ ربما هذه سلبية رافقت تأخر إنجازهدف الاستقلال _ بمعظمه خارجياً، أي أن الشباب والشعب الفلسطيني معبأ بشعاراته ضد العدوالخارجي، فيما المجتمعات العربية وخلال عقود، تراكمت فيها الصراعات الداخلية، بحيثصارت ناضجة الآن لتحقيق الثورة الداخلية.

 الشعب الفلسطيني على العكس، رغم حدوث اصطدام داخليوصل إلى حد الحرب الأهلية أو الاقتتال الداخلي على السلطة، إلا انه غير قابل بمجموعهللإقرار بضرورة حسم الصراع الداخلي "بثورة" هذا الواقع يضع العراقيل أمامإنجاز المهمة الخارجية _ مهمة الاستقلال _ ذلك انه كيف يمكن أن تحقق النصر على عدوخارجي بأدوات "بتنظيمات" مثلومة، تتصارع فيما بينها، وانتشر الفساد وروحالفردية والذاتية الفصائلية في كوادرها وثقافتها الداخلية، ويتضح ذلك من خلال ما يستنفدحركتي فتح وحماس بالذات من وقت وجهد للتحريض أحدهما على الآخر، ولمحاولة كسب"المعركة" ضده وعلى حساب التحريض والتحشيد ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 إن عجز حركتي فتح وحماس عن التراجع عن الانقسام الذيهما مسؤولتان عنه بالدرجة الأولى، طبعاً بغض النظر عن حجم مسؤولية "فتح"عن "حماس" في هذا الأمر، يوضح لنا حجم المأساة .

 لابد في هذا السياق من التمييز بين المصالحة وإنهاءالانقسام أو تحقيق الوحدة الوطنية (الجغرافية والسياسية) فالمصالحة يمكن أن تتم بيندولتين أو كيانين، ومع جولات "التفاوض" واللقاءات التي كانت تتم أو تجريقبل سنوات في ظل اشتراطات وتحت رعاية آخرين (السعودية، قطر، اليمن، مصر، سورية) يمكنالقول إن اللقاءات قد خلقت أجواء تصالحية، وقد كانت سبباً في "اختفاء" حربالدعاية الإعلامية، بين الحركتين، وقللت من إجراءات الاعتقال وملاحقة كوادر وعناصروقيادات الحركتين في غزة والضفة، وفتحت الباب لتشكيل اللجان التي وجدت فيها بعض الفصائلالهامشية وبعض الشخصيات الطامحة فرصتها في الظهور والتواجد الإعلامي وما إلى ذلك، وصارتلقاءات القاهرة المتابعة، خاصة الاجتماع الخير الذي تلا الدوحة فصلاً مملاً جداً، ذلكأن الحديث عن أجواء تصالحية أو اقتراب في وجهات النظر لم يعد يعني المواطنين في شيء،لأنهم ببساطة يتطلعون إلى خطوة حاسمة لإنهاء الانقسام، حتى لو أدت إلى اختفاء"حماس" و"فتح" وكل الفصائل التي باتت مثل "الأوثان"حيث نسي الجاهلون الهدف من إقامتها "تقربنا لله زلفى" فعبدوها، فكان الكفر،فصائلنا قمنا بتشكيلها لتحرر فلسطين وليس حتى تصبح هدفاً وغاية بحد ذاتها، وهي حينتصبح كذلك لابد من تحطيمها كما حطم سيدنا محمد عليه السلام الأصنام وأعلن ذلك نجاحثورته على طريق الإيمان والفتح،

 "جاء الحق وزهق الباطل"، من الواضح أن"حماس" و"فتح" أو قيادتهما، تفضلان المصالحة بينهما، حتى لا تواجهانمعاً الشعب منتفضاً في ربيع فلسطيني داخلي، على إنهاء الانقسام، ما دامتا لم تتفقافعلياً على شراكة مشتركة، فلا ضير من شراكة متجاورة، هنا تبدو المصالحة فعلاً يعززالانقسام ويطيل في عمره، المشكلة طبعاً تتمثل في أن مصلحة إسرائيل هي عدم توحيد الفلسطينيينلا تحت سيطرة هذا ولا ذاك، ثم عدم وجود وحدة جغرافية، وهذا الواقع يقف إلى جانب الانقساموثم في تداخل مهمات الكفاح الوطني بين مهمة التحرر ومهمة الديمقراطية، فلو كانت القيادةالسياسية حزبية أي غير فصائلية بمعنى أن أحزابنا غير مسلحة لما كان ممكناً الاحتكامللقوة العسكرية في فض الخلاف السياسي، ثم لو كانت الدولة الفلسطينية ناجزة، لاحتكمالشعب إلى صناديق الاقتراع والى الدستور والقوانين ومؤسسات الدولة، كل ذلك يمثل تفاصيلالملف الداخلي المعقد، لكن الشعب الفلسطيني، بمجرد أن ينطلق في الشارع سيعرف كيف يجيبعن كل هذه الأسئلة، وسيقلب الطاولة ضد الجميع: الاحتلال ونظام العجز الداخلي عن إنجازمهمة التحرير والوحدة _ وله في ذلك سوابق انتفاضية، المهم أن يبدأ الاعتصام ولو تحتشعار مطلبي واحد مثل "الشعب يريد في غزة الكهرباء وفي الضفة الماء والهواء"!