استكملت إسرائيلخططها للقيام بحرب واسعة لكنها سريعة على قطاع غزة في حال تطلب الأمر القيام بعمليةشاملة في العمق، هذا ما نقلته القناة الإسرائيلية الثانية عن مصادر عسكرية إسرائيلية،وهي ليست المرة الأولى، التي تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية، طوال الشهور الماضية،مثل هذا الخبر، وربما بنفس الصياغة تقريباً، لا يعني هذا بالمطلق أن إسرائيل ليس لديهاالخطة لمثل هذه العملية، ولكن المراد من هذه الإشارة، أن حكومة نتنياهو، بين فترة وأخرى،تعمد إلى التذكير بإمكان قيام إسرائيل بمثل هذه الحرب الواسعة والشاملة، لكن السريعة.

 وفي هذا السياق أيضاً، ومن خلال نفس المصدر، مضافاًإليه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن إسرائيل ستجري منتصف شهر آذار القادم مناورة"ضرب في القلب" لمحاكاة سقوط صواريخ من قطاع غزة على قلب إسرائيل، حيث سيتمتشغيل صفارات الإنذار، وبعدها بدقيقتين ستسقط الصواريخ على مدينة تل أبيب، أحدها فيسوق تجارية في "رمات غان"، والآخر وسط المدينة. وربما هذا الخبر، يشير بطريقةغير مباشرة، إلى أن الاستعدادات ما زالت مستمرة، وأن الخطة لم تكتمل إزاء قيام جيشالاحتلال بحرب واسعة وشاملة وقصيرة على قطاع غزة، إذ من غير المقبول والمعقول، أن يتمانجاز مثل هذه الخطة، قبل انجاز هذه المناورة التي باتت أكثر من ضرورية للقيام بمثلهذه العملية، خاصة بعد ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، أكثر من مرة وبشكل متواصل،من أن إسرائيل معرضة لأكثر من مئة ألف صاروخ، تنطلق من جنوب لبنان وقطاع غزة، في حالقيام هذه العملية، أو هذه الحرب، إن صح التعبير!!

 ما كشفته صحيفة "هآرتس" مؤخراً، حول تقديراتاستخبارية إسرائيلية، صادرة عن دائرة الأبحاث التابعة لوزارة الخارجية، يشير إلى أناستمرار الجمود في العملية السياسية وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، قد يدفع الفلسطينيينإلى التصعيد في الضفة الغربية ضد إسرائيل، وأن عملية عسكرية إسرائيلية في قطاع غزةستجر عنفاً من الجانب المصري، واحتمال اندلاع انتفاضة ثالثة هذا العام، بتأثيرات الربيعالعربي، هذه التقديرات، التي كشف النقاب عنها مؤخراً، إذ ان التقرير تم وضعه قبل أكثرمن شهر، وقبل المفاوضات بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي في العاصمة الأردنية عمان،ما يشير إلى أن نشره في هذا الوقت، أو على الأصح تسريبه، موجّه أساساً إلى الساحة الإسرائيليةالداخلية، لتبرير تردد القيادة السياسية في القيام بعملية واسعة النطاق على قطاع غزة،مع أن الخطط جاهزة والتهديد الصاروخي المنطلق من القطاع مستمر.

 وفقاً لهذه التقديرات، فإن سيناريو الربيع الفلسطيني،الذي انطلق العام الماضي في إحياء ذكرى حرب 1967، في حزيران، قد يتكرر هذا العام بأسلوبمختلف قد لا تستطيع إسرائيل مواجهته بسهولة، ومع أن هذه التقديرات تشير إلى أن الجمهورالفلسطيني، وقياداته السياسية غير معنيين بالتصعيد، إلا أن استمرار الجمود في العمليةالسياسية إلى جانب استمرار إسرائيل في القيام بعمليات إسرائيلية "متطرفة"على المستوى العسكري والاقتصادي مع استمرار الربيع العربي، قد يجعل الأمور تخرج عنالسيطرة، فالتقرير حول هذه التقديرات، يضع الأساس الموضوعي لانتفاضة ثالثة، إلا أنهبالمقابل يشير إلى كوابح تمنع قيامها إلاّ في حال خروج الأمر عن رغبة الجمهور والقياداتالفلسطينية، وهي في نظرنا تقديرات غير دقيقة، ذلك أن انغلاق الخيارات بسبب السياساتالإسرائيلية في القدس تحديداً، واستمرار العدوان والتهديد بعمليات واسعة النطاق يقلصمن الخيارات أمام القيادة السياسية الفلسطينية التي فشلت العام الماضي في أن تصبح دولةفلسطين، دولة عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية، الأمر الذي حدا بها إلى اللجوءإلى خيار آخر، وهو ما زال قيد الدرس، بإمكانية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، كردعلى التعنت الإسرائيلي واستمرار العملية الاستيطانية وفشل العملية السياسية، وأن رسالةتحمل هذه المضامين، قد يرسلها الرئيس أبو مازن إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهووإلى الأطراف الدولية الأخرى، خاصة أطراف اللجنة الرباعية الدولية، كي يتحمل المجتمعالدولي مسؤولية المواقف الإسرائيلية التي أعادت أجواء الحرب والتوتر إلى المنطقة.

 مثل هذا الموقف، بما فيه الرسالة الرئاسية المرتقبة،يشير إلى أن انغلاق الخيارات قد يدفع بالقيادة الفلسطينية، تحت إلحاح الواقع الموضوعي،إلى تشجيع خيارات أخرى، بما فيها انتفاضة ثالثة، غير أن هذه القيادة ستأخذ بالاعتبارفي هذه الحالة بمراجعة دروس الانتفاضتين السابقتين، وبحيث تتكلل أية انتفاضة شعبيةثالثة بالنجاح والإبقاء عليها في إطار التحرك الشعبي المتواصل، ومقاومة شعبية سلميةمهمتها مقارعة العدوان بأفضل السبل، وتشجيع المجتمع الدولي، وقواه المدنية والاجتماعيةوالشعبية على الوقوف والتحرك إلى جانب القضية الفلسطينية وتعزيز وسائل الحصار على إسرائيل.

 إلا أن الجانب الأهم، الذي تأخذه التقديرات الإسرائيليةالمشار إليها، يتعلق بالمتغيرات على الساحة المصرية تحديداً، وإشارة التقرير إلى أحداثالسفارة المصرية قبل عدة أشهر في القاهرة، تؤكد أن الشارع المصري نجح في فرض موقفهعلى الجيش المصري، وهي إشارة إلى أن أي عدوان محتمل واسع النطاق على قطاع غزة، لن يمرمن دون رد فعل مصري من شأنه تغيير الخارطة السياسية في الإقليم، خاصة وأن الدعوات تتوالى،إما لإلغاء اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، أو على الأقل لتعديله بما يكفل زيادةالقوات المصرية في شبه جزيرة سيناء، وهو الأمر الذي يطرح مجدداً مسألة التأثير العسكريالمصري على أي حدث في قطاع غزة، وعلى الأخص حال تجدد الحرب الإسرائيلية عليه تحت أيمبرر، هنا، فإن الموقف المصري المحتمل، هو الرادع الأهم الذي يجعل إسرائيل تفكر أكثرمن مرة قبل قيامها بمغامرة شن حرب واسعة النطاق على القطاع المحاصَر.

 في هذه الظروف، قد تلجأ إسرائيل، بين وقت وآخر، إلىشن حروب صغيرة، لكنها مؤثرة، مستفيدة من انحسار اهتمامات الرأي العام ووسائل الإعلامبتطورات الوضع الثوري في سورية، ودون أن تستفز هذه العدوانات المتكررة والصغيرة، الجانبالمصري بشكل واضح وصريح، وقديماً قالوا إن التهديد بالحرب، قد يأتي بنتائج أفضل منالحرب ذاتها!!