لم تأخذ من انتباهي نقاط اتفاق اعلان الدوحة نفس القدر من الاهتمام الذي قرأت فيه التحول الهام في خطاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس, فكلمته في المؤتمر الصحفي اثر اعلان الدوحة بعثت في نفوسنا بعض الاطمئنان, اذ كنا ننتظر اتفاقا يشجعنا على رؤية حماس وهي تغادر خندق المشروع الحزبي لتقترب من المشروع الوطني الفلسطيني، فتشعر بحيوية جذور الهوية الوطنية الفلسطينية التي تراكمت عليها طبقات من المفاهيم المؤدلجة حتى كادت تفصلها عن بيئتها ومناخها الباعثين اصلا للحياة .
أحسن خالد مشعل الشهادة بحق القائد ابو مازن, فكلمات الحق التي قالها بالرئيس ابو مازن لا فرق ان كانت باعتباره رئيسا وقائدا لحركة فتح أو رئيسا للشعب الفلسطيني, فالعلامة الفارقة في اعلان الدوحة هي من ناحية اولى: اقرار رئيس سياسة حماس بصدق واخلاص قائد المشروع الوطني الفلسطيني محمود عباس ابو مازن وثباته على مبادىء
واستراتيجية الوحدة الوطنية ونقاء سلوكه السياسي, ورفعه المصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار, عندما قال: «أشكر الأخ أبو مازن على روحه الطيبة التي لمستها في القاهرة ولمستها هنا في الدوحة، أقول بصدق نحن جادون في لأم الجراح وإنهاء صفحة الانقسام وتعزيز وإنجاز المصالحة على الأرض» فاعتراف رئيس المكتب السياسي لحماس بجدية ومصداقية رئيس حركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يقتلع خطابات التخوين والتشكيك من جذورها, ويجفف للأبد هذا الاسلوب المنافي لأخلاقيات العمل الوطني حيث المح خالد مشعل من الجهة الأخرى الى اقتراب أفكار ورؤية رأس حماس السياسي من رأس ورؤية حركة فتح, واقتناع قيادة حماس بالمعنى الحقيقي للمشروع الوطني الفلسطيني الذي اجمعت قوى الشعب الفلسطيني الحية عبر منظمة التحرير الفلسطينية على تبنيه, لتجسيم الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في ارضه ووطنه بمواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني, رغم كل محاولات البعض اخضاعه لعمليات تجميل وتزييف وتزيين وتحريف لتحقيق مكاسب شخصية او فئوية ولتنمية مراكز قوى هنا وهناك . فقول رئيس حماس بعد اقراره بصدق ابو مازن وجديته : نحن جادون في وتقوية الوحدة الوطنية ليعود الدم موحدا، والقرار موحدا على قاعدة الشراكة، لننجز مشروعنا الوطني القومي ونحقق كافة حقوقنا الوطنية» يدفعنا للسؤال : هل بدا تيار ما في حماس يعي حقيقة الانتماء الطبيعي, وارضيتها وبيئتها الملائمة لتكون شريكا في حركة التحرر الوطنية الفلسطينية ؟! وان الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الشرط المطلوب اولا واخيرا لتحويل الربيع العربي الى صيف مثمر, يحقق الأهداف الوطنية المشروعة للفلسطينيين والقومية الانسانية المشروعة ايضا للأمة العربية, نعتقد أن هذا ما سنراه بمقابل تيار مازال يصر على اخذ حماس كجذع شجرة يدفعه تيار الخطاب الاخواني الاسلاموي في اتجاه مصبات ليست ولا واحدة منها في فلسطين الوطن والهوية والثقافة والتراث وحتى التاريخ ...ولنضرب مثلا على ذلك اصرار النائب في التشريعي الشيخ اسماعيل هنية على التبشير بالمشروع الاسلامي على حساب المشروع الوطني وهو يعلم انه مشروع اسلاموي حزبي اخواني لا اكثر. متناسيا ان القدرة الشفهية على الخطابة على المنابر لا تقطع على المتلقي النبيه المفكر المتدبر التقاط الصورة رغم تبعثر اولوياتها, فالشيخ هنية الذي نراه منتميا لتيار «المشروع الاسلاموي الاخواني» الآخر في حماس، نرى تناقضا جوهريا في خطابه مع خطاب مشعل,فخالد مشعل اقترب من ابو مازن واتفق معه في اولوية الوحدة الوطنية لانجاز المشروع الوطني, ولم يأت على ذكر المشروع الاسلاموي الذي ظل يردده منذ فوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي واثر سيطرتها على غزة حتى بح صوته, لكنه بعد خمس سنوات أدرك الحقيقة كما نأمل, اما الشيخ اسماعيل هنية الذي قال: «نشعر أن المشروع الإسلامي الذي يمثل العمود الفقري للربيع العربي ينتقل من الصحوة إلى النهضة، ومحور نهضة الأمة هي قضية فلسطين» واضاف: «الأمة ستجتمع على فلسطين، وفلسطين على مدار التاريخ هي التي توحد الأمة «فانه يصر على تقديم النهضة العربية الاسلامية على الوحدة الوطنية الفلسطينية, رغم قوله العكس بالفقرة الثانية من الخطاب عندما اكد ان فلسطين هي التي توحد الأمة, اذن لابد من توحيد فلسطين جيوسياسيا اولا, وانجاز وحدة وطنية حقيقة, وتحقيق اهداف المشروع الوطني الفلسطيني, حتى نمكن الأمة التي نعرف لماذا اسقط مصطلح العربية الملازم لها, فألقى مصطلح الأمة مجردا على مسامع المتحمسين لهذا النوع من الخطاب والفاهم يفهم !.. اما مشعل فنعتقد أنه اصاب في تشخيص الحال عندما ربط انجاز المشروعين الوطني والقومي العربي ببعضهما, لكنه قدم الوطني على القومي وفي هذا تحول نوعي في الرؤية, فنشكر «روح ابو مازن الطيبة» التي اقنعت مشعل بالنظر للصراع بعين العقلانية الوطنية الفلسطينية . فما نستخلصه ان الدوحة قد شهدت بالأمس اعلانا بانتماء تيار في حماس للمشروع الوطني.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها