في شريط دعائي، مدته سبع دقائق، يأخذك باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الاميركية، الى رحلة صيد انتخابي، يسمي فيها الأشياء بغير أسمائها، ويجعل إسرائيل، والمواقف المحابية لها، ورؤيته للأطراف الأخرى التي تنازعها بمنطق السعي الى السلام العادل، هي قاعدة الحكم بالإيجاب، على ما يتمتع به سيادته، من شجاعة ونباهة، ومن حساسية حيال حقوق الأمم، ومن شعور بمسؤوليات الرئاسة الأميركية على الصعيد الدولي. فعلى امتداد زمن الشريط، يتعانق العلمان الأميركي والإسرائيلي، فيما الفقرات السريعة، تتوالى، في سياق البرهنة على صحة وصوابية ما يقوله الرئيس، ويعبر عنه بحركات يديه وأحياناً بحركات الرأس وسائر الجسم!
يظهر متحدثاً أمام الزعماء اليهود الصهاينة في «الآيباك» ويتبدى هؤلاء سعداء وهم يصفقون امتناناً وعرفاناً بحُسن قيادته. ولكي يزيد، جاء بلقطات من أحاديث زعماء إسرائيل أثناء مقابلات متلفزة معهم، ظهروا فيها يجزلون له الثناء. شمعون بيريس، نتنياهو، إيهود باراك وأفرايم هاليفي. ولخشيته من أن يقصر مع طرف من زعماء أقصى اليمين المتطرف، جاء بلقطات من أحاديث داني أيالون ويسرائيل بيتينو، وهما من دعاة رمي الفلسطينيين الى الصحراء خارج بلادهم. فمن دواعي الانتفاع دعائياً، أن يعلم كل ذي بصيرة، أن أوباما، يحظى بمحبة واحترام الساسة الذين يُهينون شخصه كلما اقتضت المناسبة، ويعارضون معظم توجهات السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وينادون علناً بالتطهير العرقي في بلادنا.
منتقدو الشريط الدعائي، من الأميركيين، عبروا عن سخريتهم من هذا العرض المفعم بالرياء، ونبهوا الرأي العام، الى أن السيد الرئيس، يزج بعلم دولة أخرى، في حملته الانتخابية، وأنه يخالف القانون، إذ يُجيز مشاركة الأجانب في الحملات الانتخابية المخصصة حصراً للأميركيين، من مرشحين وناخبين. فقد أفسح المجال لزعماء بلد آخر، للاشتراك المباشر، في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتساءل كاتب آخر: هل في وسعنا أن نتخيل أوباما وهو يعرض شريطاً مخصصاً للحملة الرئاسية في المكسيك، فيقدم نفسه كمكسيكي الهوى، إكراماً لعيون مرشح بعينه؟! عندئذٍ سيكون قد خالف قانون البلدين، أميركا والمكسيك، لصالح مرشح محدد. فكيف يسمح لنفسه بأن يتلقى ثناءً في السياق الدعائي، من زعماء بلد تدعمه أميركا أياً كان من يحكمها؟!
هنا، يبّرئ إعلاميون أميركيون، زعماء إسرائيل، ويوضحون مقاصدهم، التي تلاعبت بها أصابع معدي الشريط لحرف مقاصد ما كانوا قالوه في مقابلات متلفزة. فهل كان الزعماء الإسرائيليون يسألون إن كانوا يؤيدون إعادة انتخاب أوباما مثلما يوحي الشريط؟ ويجيب المستفسر على استفهامه بنفسه: بالنسبة لنتنياهو، فليس سراً ولا تأويلاً، أن الرجل لا يرغب في رؤية أوباما ثانية، في المكتب البيضاوي، لأن كل ما يريده نتنياهو، هو أن تتوغل إسرائيل أكثر فأكثر، في السياسة الأميركية. فمنذ أسبوع، تبرع الملياردير اليهودي الأميركي شيلودم أديلسون، الذي يُعد من أقرب الأصدقاء الأميركيين لنتنياهو، بمبلغ خمسة ملايين دولار لحملة المتنافس على ترشيح الحزب الجمهوري نيوت غينغريتش!
في الدقائق السبع من الرياء ومن مداهنة إسرائيل، من خلال شريط فيديو؛ عُرضت أكثر اللقات صهيونية، في أحاديث أوباما أمام لوبي «الآيباك». كان العنصر التمثيلي بحركات الجسم، ظاهراً على نحو لا يليق برئاسة بلد يفترض أنه يراعي الحد الأدنى من التوازن والمسؤولية. وارتسمت علامات التأسي والحزن، على وجهه وهو يتحدث عن مأساة الشعب الإسرائيلي في «سديروت» التي «نُكبت» بصواريخ «حماس». ثم تبلغ الحركة التمثيلية ذروتها بالرأس وباليدين والأكتاف، وهو يُعيد على أسماع زعماء اليهود، ما قاله للرئيس الفلسطيني محمود عباس: إن الولايات المتحدة، سوف تستخدم «الفيتو» في حال تقدمتم بطلب عضوية الأمم المتحدة. جاءت اللقطة، بعد اثنتين، واحدة لبيت تصدع بصاروخ في «سديروت» بالترافق مع كلام اوباما عن «معاناة أطفال إسرائيل» ولقطة أخرى لحافلة أصابها تفجير فلسطيني!
أما إيران، عدوة إسرائيل كما يقول فقد تعرضت في عهده لأقسى عقوبات واجهتها في تاريخها. وردد رئيس الولايات المتحدة، مرات، عبارات مثل: إن أميركا وإسرائيل، تشكلان كتلة لا تنكسر، وأن العلاقة بينهما غير قابلة للاهتزاز.
لم يقل الرئيس بالطبع، كلمة واحدة عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ولو من باب إظهار قيادته بمظهر يليق بمسؤوليتها الدولية. ولم يقل إن هناك قتلاً ممنهجاً وتعديات يومية تخريبية، يمارسها الاحتلال والمستوطنون المتطرفون ضد الشعب الفلسطيني. ولم يتذكر أشجار الزيتون المباركة، التي تُقتلع بأيدي الغزاة المهووسين المستوطنين. ولم يأت بكلمة على السجناء والاعتقالات الدائمة للمدنيين ولنواب الشعب وللأطفال. ولا كلمة بالطبع، عن حصار غزة، ولا عن مصادرة الأراضي وهدم البيوت أو الاستيلاء عليها في القدس، ولا عن التوسع الاستيطاني الذي تعارضه السياسة الأميركية نفسها ظاهرياً، في منطوق تعاطيها السياسي مع أطراف النزاع.
بالعكس، قدم أوباما موجزاً لمواقفه المساندة للحق والحقيقة والعدالة، وذكّر مشاهدي الشريط، وهو يفترض أنهم جميعاً من الصهاينة حصراً، بمواقفه «الحميدة» مثل معارضته لتقرير غولدستون، ومقاطعة مؤتمر ديربين حول العنصرية، وزيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل بمعدلات غير مسبوقة، وقد عمل جاهداً على رفعها في الموازنة الأميركية العامة لهذه السنة. وطفق يتحدث بعبارات إعلانية مقتضبة من شاكلة: نحن نقدم أكثر التقنيات تطوراً لحلفائنا الإسرائيليين!
بعض المعلقين الاميركيين الذين شاهدوا الشريط، تناولوا أوباما بالنقد الشبيه بالدعابة، قائلين إن رئيسنا، الذي لطالما تحدث عن ضرورة خفض الموازنة وتقليص الصرف على الخدمات، ينسى نفسه فيباهي بزيادة المعونات، إن كانت إسرائيل هي التي تتلقاها!
لقد بدا أن هذا الإسفاف في التزلف لإسرائيل، مكشوف في حوافزه ودواعيه، إذ رآه البعض جواباً دعائياً، على ما لحق بعناصر من حملته قيل إنها «تلطخت» باستخدام مفردات «معادية للسامية» ترافقت مع لغة حادة، مضادة للفلسطينيين، استخدمها المتنافس على ترشيح الحزب الجمهوري نيوت غينغريتش.
في شريط الدقائق السبع من الرياء الغليظ، الذي انزلقت اليه حملة رئيس الولايات المتحدة الأميركية، هناك قدر كبير من التدليس ومجافاة الحقائق والعمى، بينما المأمول هو أن تتهيأ الإدارة الأميركية الى لعب دور أقل تخريباً للعالم، يرمم ما صنعه السابقون الذين فشلوا في العراق وأفغانستان، وخسروا أتباعاً في الشرق الأوسط، ودفعوا حكام إسرائيل الى الجنون والتطرف، وأفشلوا العملية السلمية، وأوقعوا مناطقنا في الزلازل التي تتوالى تباعاً، بسبب استهتارهم بالشعوب وبالأمم وبالعدالة، وإهدارهم لماء وجوه أتباعهم الحاكمين وكشف هؤلاء الأتباع أمام شعوبهم!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها