لوحظ من خلال التطورات الأخيرة، أن "حزب الله" يمتص في صمت، الضربة الإسرائيلية تلو الأخرى، ما يعني أن الأولوية باتت عنده للحرب في سوريا، علماً بأن هذا الحزب المسلح حتى النواجز؛ أصبح في أمسّ الحاجة الى البرهنة على أنه "المقاومة" التي تخوض معركة وجود مع الإسرائيليين و"التكفيريين" في آن، على ما في هذه البرهنة، من أهمية للرواج وتبرير الانخراط في الصراع السوري، على حساب لبنان!

المحتلون يضربون ولا يعلنون. وعندما ينتشر النبأ، يضطر "حزب الله" الى الإعلان المتأخر والمقتضب، عن هجوم إسرائيلي سيكون الرد عليه في "الزمان والمكان المناسبيْن"، وهذه عبارة عقيمة، مستعارة من لغة النظام السوري، أثارت الكثير من السخرية لفرط تكرارها!

ما يهمنا هنا، هو موقف هذا الحزب الذي ينصّب نفسه "وكيلاً حصرياً للمقاومة" حيال المحتلين الإسرائيليين. فمن خلال الوقائع، نعلم أن الحزب الذي امتنع عن أي حراك، عندما هوجمت غزة بضراوة في الأسبوع الأخير من كانون الأول 2008 ولم يستفزه مشهد العربدة الإسرائيلية التي تمثلت في القصف الوحشي؛ هبّ للدفاع عن النظام السوري وحمايته، ما يؤكد على رواية الطرف اللبناني الآخر، الذي يرى في وظيفة "المقاومة" استطراداً زائداً على النص الأصلي، وهو أن الوظيفة الأساسية المبتغاة للحزب، ليست أكثر من الخوض بقوة في النزاع الداخلي، والحفاظ على قوس النفوذ من طهران الى الضاحية الجنوبية (ما ينسحب على كل لبنان) مروراً ببغداد ودمشق، لإحكام القبضة الطائفية على المشرق العربي كله!

المحتلون الإسرائيليون لا يكتمون نيتهم في الهجوم، كلما رصدوا رتلاً من شاحنات تحمل سلاحاً نوعياً للحزب، يمكن أن يُستخدم في وظيفة الاستطراد التي ظل السلاح "مشروعاً" بشفاعتها. ووجود هذا السلاح، باسم "المقاومة" يُعد انتهاكاً للشروط الدستورية لقيام الدولة ولهيبتها. ولو لم يكن الأمر كذلك، فإن هكذا "مقاومة" تحتاج الى رديفتها الفلسطينية، صاحبة الأرض والقضية، وهي تتوافر على قاعدة اجتماعية عريضة، في مخيمات لبنان، تعطلت وظيفتها النضالية بفعل فاعل عربي "ممانع". وبات يُراد للمخيمات الفلسطينية في لبنان، أن تتحول الى مكبّات نفايات صلبة، من الأصوليين والخارجين عن النظام، الذين يفاقمون الاحتقانات الناشئة عن تعطل الوظيفة الكفاحية الأساسية، وهم المتسببون في فوضى سلاح أوقعته في المخيمات مجموعات تتلطى بالدين وبـ "الجهاد". الآن، لا يتورع المحتلون عن القصف، وعندما لا يرد "حزب الله" لا يكون في وسع الآخرين، أن يفعلوا شيئاً، لأنهم لا يستطيعون، ولأن معركة من يصفهم الحزب بـ "التكفيريين" ليست مع إسرائيل، سواء كانوا في سوريا أو لبنان أو في العراق أو في اليمن، أو أي بلد آخر. فقوى المقاومة السُنية والعلمانية والفلسطينية، أجهز عليها "حزب الله" والنظام السوري. ولما صدر القرار 1701 بعد حرب العام 2006 وتحقق ما سماه الحزب "النصر الإلهي" أُغلقت الجبهة اللبنانية إغلاقاً تاماً يضاهي إغلاق الجبهة السورية!

النظام السوري يخوض الآن معركة وجوده، والإيرانيون يرمون بكل ثقلهم في سوريا لتحسين موقفهم التفاوضي مع الغرب، وهذه هي أيقونتهم دون سواها، لأن القضية الفلسطينية لا تساعدهم، مثلما لا يساعدهم فتح "حزب الله" جبهة مع إسرائيل، ولو رداً على ضربات موجعة. فالصمت، مع امتصاص الضربات، هو المراد.

إن ما يجري في سوريا ولبنان، أضعف الورقة الفلسطينية وزاد من عربدة إسرائيل. ما زالت الأحداث تضرب عميقاً في البنية الاجتماعية والأهلية في البلدين، على النحو الذي لا يُرجى بعده أي عون منهما للقضية الفلسطينية. كل ذلك لأن النظام السوري، منذ البداية، أنكر على شعبه الحق في مجرد إصلاحات سياسية ديمقراطية، كان الأسد الابن من خلالها، سيجد فرصته للاستمرار في الحكم وإن كان بأساليب أقل غلاظة وامتهاناً لكل الحقوق السياسية والمدنية للشعب العربي السوري!