تتأثر حالة الإنسان النفسية بعدة عوامل معروفة لدى الأطباء والعلماء، إلا أن عاملاً جديداً توصلت له دراسة حديثة لم تكن معروفة سابقاً بل لم تخطر على البال.
فقد أظهرت الدراسة وجود صلة بين الحالة العقلية والجهاز المناعي، وخاصة من خلال التفاعل بين الدماغ والأمعاء، بحسب ما نشره موقع Psypost نقلًا عن دورية Cell.
وركزت الدراسة على بنية غير معروفة في الجهاز الهضمي تسمى غدد برونر، وتقع في الاثني عشر (القسم الأول من الأمعاء الدقيقة). ويبدو أن هذه الغدد تلعب دورًا محوريًا في كيفية تأثير الإجهاد على بكتيريا الأمعاء والدفاعات المناعية.
ظاهرة بيولوجية حقيقية
من جانبه أوضح الباحث إيفان إي دي أراوغو، مدير معهد ماكس بلانك للسيبرانية البيولوجية، قائلًا إن "كان هناك اهتماما بفهم كيف تجعل الحالات النفسية الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. إنها ظاهرة بيولوجية حقيقية، لكن لم يكن هناك تفسير ميكانيكي لها".
وأضاف أن فريق الباحثين افترض في البداية أن الدائرة العصبية يجب أن تربط المناطق المرتبطة بالعاطفة في الدماغ بالخلايا الطرفية التي تتحكم في الدفاعات ضد مسببات الأمراض".
العصب المبهم
وأجريت الدراسة على أكثر من ألف فأر ذكر بالغ حيث استخدم الباحثون تقنيات مختلفة لتحفيز أو قمع نشاط العصب المبهم، الذي يلعب دورًا حاسمًا في توصيل الإشارات بين الدماغ والأمعاء.
فيما تم تغيير أو إزالة أقسام معينة من العصب المبهم أو غدد برونر لدى بعض الفئران لاختبار الدور الذي تلعبه هذه الهياكل في صحة الأمعاء.
ولاستكشاف دور الدماغ، قام الباحثون بالتلاعب بجزء من الدماغ يسمى النواة المركزية للوزة الدماغية، والتي تشارك بشكل كبير في معالجة المشاعر، وخاصة التوتر والخوف.
كما رسم الباحثون مسارًا يربط هذه المنطقة من الدماغ بغدد برونر عبر العصب المبهم، باستخدام أساليب متقدمة مثل استهداف الجينات والحقن الفيروسية وتصوير الدماغ.
ومن خلال تحفيز أو تثبيط هذه الدوائر، تمكنوا من ملاحظة كيف أثرت على نشاط غدد برونر وتكوين البكتيريا في الأمعاء.
في الأثناء تم إجراء مجموعة من الاختبارات الفسيولوجية على الفئران، بما يشمل تحليل سمك بطانة الأمعاء ومزارع البكتيريا من الأمعاء وحتى مراقبة تعرض الفئران للعدوى البكتيرية بعد التعرض للتوتر.
تكاثر البكتيريا الضارة
إلى ذلك توصل الباحثون إلى أنه عندما تم قمع اللوزة المركزية - إما عن طريق الإجهاد أو من خلال التثبيط التجريبي - أصبحت غدد برونر غير نشطة، مما يقلل من إنتاج المخاط ويسمح للبكتيريا الضارة بالتكاثر.
وعلى العكس من ذلك، عندما تم تنشيط اللوزة المركزية، أدى ذلك إلى زيادة نشاط العصب المبهم، مما حفز بدوره غدد برونر لإنتاج المزيد من المخاط. وقد عزز هذا نمو البكتيريا المفيدة.
كذلك لاحظوا أن إزالة أو إتلاف غدد برونر أدى إلى تغييرات عميقة في الجهاز المناعي، إذ أصبحت فئران المختبر، التي تم إزالة غدد برونر لديها جراحيًا أكثر عرضة للإصابة بالعدوى البكتيرية من تلك التي لديها غدد سليمة.
وعانت فئران المختبر بدون غدد برونر من طبقات مخاطية أرق في أمعائها، ونفاذية أمعاء متزايدة (بما يمكن أن يؤدي إلى الالتهاب)، واحتمال أعلى لدخول البكتيريا.
غدد برونر
يسلط هذا الاكتشاف الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه غدد برونر التي تحافظ على صحة الأمعاء، جنبًا إلى جنب ودعم الجهاز المناعي ككل.
تساعد الغدد في إنشاء حاجز وقائي في الأمعاء، مما يمنع مسببات الأمراض الضارة من اكتساب موطئ قدم. وبدون هذا الحاجز، يصبح الجهاز المناعي مكشوفًا، ويصبح الجسم أقل قدرة على الدفاع عن نفسه ضد العدوى.
ورسمت الدراسة دائرة عصبية دقيقة تربط المراكز العاطفية في الدماغ بالأمعاء من خلال العصب المبهم. يُعرف هذا العصب بدوره في التحكم في العديد من الوظائف اللاإرادية، مثل الهضم والاستجابات المناعية.
وعندما تم تحفيز العصب المبهم بشكل مصطنع في الدراسة، زاد إنتاج المخاط في الأمعاء، مما عزز من صحة مجموعة بكتيرية. وعلى العكس من ذلك، عندما تم تحفيز العصب المبهم مع برونر، كان هناك انخفاض في إنتاج المخاط.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها