أمس الجمعة 21 آذار/مارس 2025 حلت ذكرى ثلاث مناسبات هامة وأساسية: اجتماعية وزمنية ووطنية، يتبوأ مكان الصدارة فيها عيد الأم، رغم أن المناسبة ليست الأقدم بين المناسبات الثلاث، فمناسبة حلول فصل الربيع، أو ما يطلق عليه أبناء الشعب الكردي عيد "النيروز"، وحولوه لعيد قومي، كما أن الفرس يحتفلون بعيد "النيروز"، لكن باعتباره عيدًا للربيع، وأما الأشقاء المصريون فيطلقون عليه عيد "شم النسيم"، ويربطون بينه وبين عيد القيامة الكبير/الفصح المجيد عند أقباط مصر وأتباع الديانة المسيحية الأرثوذكس، ويحل في 21 نيسان/إبريل من كل عام، أي اليوم التالي للفصح المجيد، ويتزامن في الحسابات والمعايير المصرية مع عيد الربيع عندهم.
وبعيدًا عن التفاصيل المتعلقة بعيد الربيع و"النيروز" و"شم النسيم"، فإن مناسبتي عيد الأم والربيع تتداخلان بشكل جدلي عميق، حيث يرتبط عيد الأم مع ولوج فصل يعيد للأرض بهجتها وألقها، وبهاءها، ويفرش سجادة خضراء على مساحة الوطن والكون، وتزهر الأرض بألوان الطيف وقوس قزح من كل أنواع النباتات والأشجار، وتشع الزهور والورود والياسمين وسنابل القمح وأزهار اللوز والفواكه عمومًا، ويعم الخير بين الشعوب، بعد فصلين من الجدب والشتاء والبرد والصقيع، وتسطع شمس ناعمة تحمل الدفء والأمان للشعوب.
لذا جاء اختيار عيد الأم متلازمًا مع عيد الربيع عاكسًا عمق الترابط والتكامل بين العيدين، وعاكسًا الإدراك العميق لما بينهما من ميزات وخصال، كون الأم تمثل ربيع كل أسرة، وهي ركيزة المجتمع الأساسية، وينبوع الحياة، وشجرتها الوارفة، وحاملة نورها وثمارها وأفرع أغصانها وعامود خيمتها.
للأم في كل مكان من بقاع الأرض التحية والتقدير والثناء، لأنها عنوان العطاء والسخاء والوفاء، ومربية الأجيال، وصانعة الرجال، وبانية القيم، وركيزة الهمم، ووشاح البشرية الزاهي بألوان وعطر الربيع المتماوجة، فكلاهما الأم والربيع عنوان الخصب، والحبور، والنهوض بالأرض والأسرة والمجتمع والحياة من جديد من كل عام، فالأم هي الربيع، والربيع هو الأم. ولولا الأم ما كان للبشرية وجود، ولولا الربيع لما كانت الحياة خضراء ومتجددة، ولتصحرت الدنيا، ولجفت ينابيع التطور والإبداع الإنساني، أو تأخر ارتقاؤها وحداثتها.
وفي عيد الأم، أقف مترحمًا على روح والدتي، التي توفيت في الثامن عشر من رمضان عام 2011، وعلى أختي أم إسماعيل وابنة أختي ابتسام، وحماتي وخالاتي وعماتي وجداتي ومن في مقامهن، وعلى كل نساء فلسطين في الوطن والشتات، اللاتي توافهن الله في الحروب أو الاجتياحات والاقتحامات، بخاصةٍ في زمن الإبادة الجماعية وللمناضلات اللواتي قدمن حياتهن دفاعًا عن الثورة والوطن، وأنحني إكرامًا وإجلالاً لهن ولكل أسيرة من أسرى الحرية، اللواتي قدمن زهرة أعمارهن بين أقبية الزنازين وباستيلات العدو الصهيوني، وللأمهات المصابات بجروح، اللاتي تجرعن الموت ألف مرة، وهن ينزحن من مكان لمكان، ويحملن أطفالهن وسط ظلام تيه الموت والفاجعة والإبادة، ولكل أم فلسطينية وعربية مكلومة أم غير ذلك، لها ألف تحية، لأنهن جميعهن رمز البقاء والعطاء والثبات على الأرض.
وأما المناسبة الثالثة، وهي الوطنية، إنها معركة الكرامة في 21 آذار/مارس 1968، التي شكلت مفصلاً هامًا، وكونها عكست التلاحم الأخوي الأردني الفلسطيني، حيث امتزج الدم الأردني مع الدم الفلسطيني في معركةٍ خالدة، وكان لأبطال الجيش الأردني دور ريادي في تحقيق النصر، وذادوا عن تراب وطنهم الأم الأردن، وعن أشقائهم الفدائيين الفلسطينيين المتلاحمين معهم في معركة بطولية واستراتيجية في سيرورة وصيرورة الثورة المعاصرة، التي رفعت وعززت دور ومكانة الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية، وأعادت الاعتبار للمسألة الفلسطينية السياسية، ورسخت دور المقاومة، كشكل رئيسي للدفاع عن أهداف الثورة والشعب في المشهد الوطني والقومي العربي والعالمي، كونها فتحت أبواب الدنيا المغلقة أمام قيادة الثورة المعاصرة لتتبوأ مركزاً متقدمًا في أوساط حركة التحرر العالمية، ومن ثم حاملة راية التحرر الوطني العالمي لاحقًا، وأسهمت في انتزاع عشرات القرارات الأممية لصالح الشعب والقضية والمشروع الوطني الفلسطيني، وأصلت للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
وما أحوج الشعب الفلسطيني اليوم في ذكرى معركة الكرامة الـ57، ومع استمرار الإبادة الجماعية الوحشية الإسرائيلية للشهر الـ18 إلى الوحدة الوطنية، وطي صفحة التشرذم والانقلاب والأسود، وتخلي القوى الإسلاموية الانفصالية عن سياساتها المتناقضة مع المشروع الوطني، والاستجابة لإرادة الشعب من خلال الانضواء تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية واشتقاق برنامج سياسي وكفاحي وإداري ولوجستي يستجيب لتحديات المرحلة، ويعزز مكانة المنظمة والدولة والحكومة في تولي مهامها في أرجاء الوطن الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة، لقطع الطريق على المؤامرة الإسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية والشعب والكيانية الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها