يُعد القمع أداة تستخدمها الأنظمة الاستبدادية، سواء أكانت علمانية أم دينية، للحفاظ على سلطتها وإسكات معارضيها، لكن الفرق الجوهري بينهما يكمن في المرجعية التي يستند إليها القمع، فبينما تستند الأنظمة العلمانية إلى القوانين الوضعية التي قد تضع قيودًا على ممارسة القمع، تستند الأنظمة الدينية إلى شرعية تستمدها من الدين نفسه، ما يجعل القمع في نظرها مقدسًا وغير قابل للمساءلة.
- القمع العلماني مقابل القمع الديني
- القمع العلماني: تمارسه الأنظمة التي تستند إلى أيديولوجيات وضعية، مثل الماركسية، النازية، أو الفاشية، حيث تبرر القمع بدعوى الحفاظ على النظام العام أو حماية الدولة.
غير أن هذه الأنظمة غالبًا ما تكون مقيدة بالقوانين، ولو شكليًا، ما يجعل المسؤولية عن القمع تقع على عاتق القائمين عليه، وهم معرضون نظريًا للمحاسبة إذا تجاوزوا الحدود التي يفرضها القانون.
- أما القمع الديني: على النقيض، يستند القمع في الأنظمة الدينية إلى تفسير ديني يمنح الحاكم سلطة مطلقة تحت غطاء تنفيذ "أحكام الله"، ما يجعل المسؤولية عن القمع غير شخصية، بل تُنسب إلى الإرادة الإلهية. هذا النمط من القمع أخطر من نظيره العلماني، لأنه يُضفى عليه طابع القداسة، مما يجعل مقاومته أو معارضته تُعتبر كفرًا أو خروجًا على الدين.
وهناك أمثلة تاريخية وحديثة على هذا النمط من القمع، فقد عانت أوروبا في العصور الوسطى من استبداد ديني مارسته الكنيسة، حيث تحكمت في شؤون الحياة السياسية والاجتماعية تحت غطاء الدين، حتى تمت الإطاحة بهذا النظام عبر حركات الإصلاح والثورات التي رفعت شعار الحرية والحقوق المدنية.
وفي العصر الحديث، شهد العالم أنظمة استبدادية، سواء دينية أو أيديولوجية، مارست القمع باسم "المبادئ العليا"، كما فعلت الأنظمة الشيوعية والفاشية، وكما تفعل بعض الحركات الدينية التي تسعى لفرض سيطرتها السياسية والاجتماعية باسم الدين، مثل حركة حماس في غزة وغيرها من الحركات التي ترفض التنوع والتعددية، معتبرة أي معارضة خيانة أو كفرًا.
- غياب المحاسبة وتعزيز الاستبداد
تكمن خطورة الأنظمة التي تستند إلى شرعية دينية في أنها ترى نفسها وكيلة عن الله في الأرض، وتعتبر أن قراراتها مقدسة وغير قابلة للنقد، ما يؤدي إلى ترسيخ حكمها لفترات طويلة دون وجود آليات حقيقية للمحاسبة. وهذا يتعارض مع مبادئ الإسلام الحقيقية التي تقوم على الشورى واحترام كرامة الإنسان وحقوقه، كما أكدتها "صحيفة المدينة" في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ضمنت الحقوق للجميع بغض النظر عن الدين أو الانتماء.
إن مواجهة الاستبداد، سواء كان علمانيًا أم دينيًا، تتطلب ترسيخ دولة القانون التي تحكمها مبادئ العدالة والمساءلة، حيث لا يمكن لأي سلطة أن تفرض نفسها بوصفها معصومة أو مفوضة من الله، فالعدالة والحرية هما أساس بناء أي مجتمع متحضر، وأي نظام يبرر القمع باسم الدين أو الأيديولوجيا محكوم عليه بالزوال عاجلاً أم آجلاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها