السحور المدمى، فجر الثلاثاء أفظع من مجزرة، وصفحة ملف الإبادة الجماعية الدموية، للشعب الفلسطيني والتهجير القسري، فالصهيونية الدينية في إسرائيل، عادت لتستكمل عملية تغيير ليس الشرق الأوسط وحسب، بل كل قواعد العلاقات بين الأمم والشعوب والدول في العالم، ولتدمر منارات القانون الدولي، والشرعية الأممية التي بعثت الأمل لدى الإنسانية بإمكانية الوصول إلى شواطئ الأمان والسلام، فهنا منظومة احتلال واستيطان استعماري عنصري تعشش في أدمغة ساستها وجنرالاتها فكرة إفناء وجود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي والطبيعي، أما تنبؤات الضاربين بالودع والحجر على الرمل، حول دوافع نتنياهو الشخصية للتهرب من مصيره الشخصي والسياسي ومما ستقضي به المحاكم، فهذا ذر للرماد في العيون للتغطية على حقيقة المشروع الاستعماري الذي يتم استكماله في فلسطين التاريخية، ويشمل خريطة الوطن العربي، ابتداء من جيران فلسطين، ولا يجوز تبسيط الإبادة الجماعية الدموية، والتدمير الشامل، واعتبارها مع عملية محو آثار قضية اللاجئين (مخيمات اللاجئين الفلسطينيين) في الضفة الفلسطينية، بعد تدمير مثيلاتها الأكبر في قطاع غزة، وتشريع قوانين في الكنيست الإسرائيلي لضم أرض دولة فلسطين المحتلة منذ سنة 1967، مجرد مناورة شخصية من نتنياهو.

استغلت منظومة الصهيونية الدينية ميزة الشخصية السياسية الجوفاء، باعتبارها السمة المميزة لساسة حماس، الذين ظنوا أنهم ورقة مهمة في نظر الإدارة الأميركية الجديدة، بعد اجتماع سري مع مندوبها (بولر) أغدق عليهم بعده بالمديح، فكان هذا كافيًا ليمنحهم تصلبًا، وعنادًا، وتصميمًا على نسف قرارات القمة العربية التي كان جوهرها الرؤية الفلسطينية التي قدمها الرئيس محمود عباس أبو مازن خلال (قمة فلسطين) في القاهرة قبل حوالي أسبوعين، فوقعوا في شرك المفاوضات المعدة بإحكام، والمموهة بدعاية إعلامية، التي فطنوا بسهولة الحركة في ثناياها، كتحركاتهم في الأنفاق التي حفروها بأيديهم "لحماية قياداتهم فقط" كما قال كبيرهم موسى أبو مرزوق، وزاد تصلبهم عندما سمعوا بنجاح العمل العربي المشترك في إقناع الرئيس ترامب بالتزحزح عن خطة التهجير القسري لمواطني غزة، والنظر بالخطة العربية كسبيل للحل، وتضاعف تصلبهم بعد إعلان مصر العربية موقفًا عكس جوهر قرارات القمة والملخص بضرورة أن تعود ولاية السلطة الوطنية الفلسطينية على قطاع غزة كسابق عهدها باعتبارها جزءًا من الدولة الفلسطينية، وبعد أخبار عن محاولة عربية لإقناع الإدارة الأميركية بالضغط على إسرائيل لثنيها عن رفض حكومة نتنياهو لولاية السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية على قطاع غزة فيما يسمى (اليوم التالي)، وكذلك الحديث عن إمكانية نشر قوات سلام دولية تنتشر في غزة والضفة الفلسطينية تمهد لاستقرار وأمن يفضي لانجاز استقلال الدولة الفلسطينية، وهذا كله أدى لتصلب حماس في ملف المفاوضات حول ملف الأسرى، دون أدنى وعي وإدراك للمتغيرات المستجدة، وأهمها اشتراك الإدارة الأميركية ومنظومة إسرائيل بمنطق تثبيت المواقف بالقوة المميتة، وفتح أبواب الجحيم، وهذا ما كان فعلاً في فجر الثلاثاء الماضي، أما خروج عضو المكتب السياسي لحماس باسم نعيم على قناة الجزيرة، عاكسًا موقف حماس الحقيقي الرافض لقرارات القمة العربية، ومعتبرًا إمكانية عودة ولاية السلطة الفلسطينية من جديد على قطاع غزة وهمًا ومستحيلا، فلا أحسن منه إثبات ودليل على انعدام الحس والمسؤولية الوطنية لدى ساسة حماس، الذين يثبتون كل يوم خلو عقيدتهم السياسية من العقلانية والواقعية، وهذا أمر بديهي لدى فاقدي الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، إذ كان عليهم التقاط اللحظة، والتعامل بإيجابية مع الرؤية الفلسطينية والخطة العربية لإعادة إعمار غزة، وسحب الذرائع، ونلفت النظر هنا إلى تهديدات ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط عندما قال: "قادة حماس يعرفون الموعد النهائي الذي حددناه لتنفيذ طلباتنا".

لا أحد منا يطلب الخضوع والاستسلام كما يدعي ساسة حماس، وإنما بعضًا يسيرًا من العقلانية والواقعية، ونبذ التصرفات الخالية من المسؤولية، فشعبنا في قطاع غزة يدفع ثمن عقم ساسة حماس، وجهلهم السياسي، وانعدام امتلاكهم الشجاعة لأخذ القرار الأنسب لإيقاف حملة الإبادة، فهم في الحقيقة يأخذون أكثر من مليوني مواطن فلسطيني بمثابة رهائن، ويشكلونهم كدروع بشرية لحماية جماعتهم، وكأن الحفاظ على حياة الأسرى الإسرائيليين يستحق فعلاً مئتي ألف شهيد وجريح وتحويل قطاع غزة إلى أطلال وركام. وعليهم أن يعرفوا أن نفس الإنسان الفلسطيني مقدسة في قيمنا الأخلاقية، كما قداسة كل نفسٍ على وجه الأرض.