بعد أن قرر الرئيس الأميركي ترامب تنفيذ الهجمات على الحوثيين في اليمن بهذه الكثافة، كان على حماس أن تدرك أن استئناف الحرب على غزة بات ممكنًا بل وشيكًا، وأن مناوراتها في مفاوضات حول المحتجزين الإسرائيليين، لن تقدم لها أي أوراق إضافية، وأن الشعب الفلسطيني في القطاع هو من سيدفع ثمنها دمًا ودمارًا، ويبقيهم في حالة البؤس والجوع وعدم اليقين حول مستقبلهم. وإن كنا ندرك عدوانية الاحتلال ووحشيته تجاهنا منذ زمن بعيد وكل الوقت، ونكبة عام 1948، وما صاحبها من مذابح وتطهير عرقي، فهناك رغبة دائمة لدى إسرائيل في إلحاق الأذى بالشعب الفلسطيني. بالمقابل فإننا ندرك أيضًا أن أنانية حماس وإصرارها على أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية بأي ثمن هما ما أوصلنا إلى حرب الإبادة، وإلى استئنافها اليوم.
وبغض النظر أن متطلبات نتنياهو، والتي باتت معلومة للجميع، سواء لتغطية فساده، أو التهرب من المسؤولية الإخفاقات، وبغض النظر عن اندفاعات سموتريتش وبن غفير المجنونة ورغبتهما الجامحة في إبادة الشعب الفلسطيني، فإن هناك مسؤولية تقع على عاتق حماس، التي أغرتها فكرة التواصل المباشر مع إدارة الرئيس ترامب. واعتقدت، عن جهل، أنها تستطيع دق إسفينًا في علاقات ترامب مع نتنياهو، أو بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وها هي رهاناتها الخاطئة وأنانيتها العمياء قد قادت إلى حصد مئات بل الآلاف من الأرواح من أطفال ونساء فلسطين في قطاع غزة، وأحدثت المزيد من الدمار، وقد تقود للتهجير أيضًا.
نوايا نتنياهو وأسبابه مكشوفة ولم تعد تخفى على أحد، فهو يواجه أزمة داخلية عميقة، لم تبدأ اليوم، وإنما منذ بدأ محاولاته المحمومة للسيطرة على الجهاز القضائي عام 2023، كما يواجه ضغوطًا كي يشكل لجنة تحقيق في أحداث السابع من أكتوبر. وبالتالي فإن استئناف الحرب على غزة تمثل ملاذه الأخير للهروب إلى الأمام من المساءلة. ولكن السؤال لماذا تقدم حماس له في كل مرة ما يريد؟ ثم ما هي نوايا حماس التي كانت مطالبة بالإخلاء من المشهد السياسي الفلسطيني، والمشهد العسكري، إذا ما أردنا منع التهجير، الذي هدد به الرئيس ترامب، وإذا أردنا بالفعل إعادة بناء قطاع غزة، السؤال لماذا تماطل حماس؟ هل هي بالفعل تريد تحرير مزيد من الأسرى الفلسطينيين من معتقلات الاحتلال، أم أنها تماطل لكسب الوقت علها تستطيع البقاء في القطاع واستمرار سيطرتها عليه؟.
كافة الأطراف بلا استثناء توجهوا بالنصح لحماس ولا يزالون، بأن تنسحب من المشهد دون تأخير، لأن سيف التهجير ما زال مطروحًا على طاولة تل أبيب وواشنطن، وأن المحاولات لإيجاد مكان يدفعون أهالي غزة إليه لا تزال تتواصل، وآخرها التواصل مع الصومال وأرض الصومال. ومن جهتها الدول الخليجية كانت واضحة عندما قالت إنها لن تنفق دولارًا واحدًا في غزة ما دامت حماس تتحكم بالقطاع وترفض تسليم سلاحها، فهذه الدول لا تريد أن تنفق مليارات ثم تبدأ حرب أخرى ويتم تدمير ما تم بناؤه.
حماس، ومنذ وقف إطلاق النار قبل شهرين، لم تقدم دليلاً واحدًا على أنها قامت بمراجعة تجربتها أو أجرت تقييمًا موضوعيًا لمغامرتها في السابع من أكتوبر، بل العكس كانت تؤكد في كل خطوة لها أنها لن تسلم القطاع لأحد وخصوصًا السلطة الوطنية الفلسطينية، وبالمقابل قدمت الكثير من الرسائل للولايات المتحدة وحتى لإسرائيل أنها يمكن أن توافق على تقاسم القطاع وأن تتعايش مع الوجود الأمني الأميركي ولكن لن تسلم القطاع للسلطة الوطنية.
حتى كتابة هذا المقال هناك حوالي 500 فلسطيني استشهدوا، ومئات آخرين جرحوا، وتم تدمير عشرات المباني، وإذا سلمنا أن هدف حماس من مناوراتها هو الإفراج عن عدد أكبر من الأسرى الفلسطينيين، هل يتم ذلك بهذا الحجم من التضحيات، إن الدم الفلسطيني ليس مهمًا بالنسبة لحماس، التي طالما كانت تدعي النصر على حساب دمار قطاع غزة؟.
وفي مراجعة لتاريخ انخراط حماس، منذ تأسيسها عام 1988، في الحياة السياسية الفلسطينية، ما الذي حققته للشعب الفلسطيني من أهداف وطنية وكم كانت الكلفة؟.
ومن دون أن تحقق أي هدف وطني واحد، حماس كانت طرفًا في تدمير عملية السلام، إلى جانب اليمين المتطرف الإسرائيلي، وهي من تسبب في أخطر انقسام في تاريخ القضية الفلسطينية، وكان لفصلها قطاع غزة عن الضفة مبررًا شخصيًا لنتنياهو للتهرب من استحقاق الدولة الفلسطينية. حماس لم تحقق أيًا من أهداف الشعب الفلسطيني وحسب، وإنما ألحقت أفدح الأضرار بالقضية الفلسطينية، وقادت ممارساتها الانفصالية إلى نكبة ثانية يعيشها الشعب الفلسطيني اليوم.
السؤال المطروح اليوم هو إذا ما كانت حماس ستتصرف لمرة واحدة بلا أنانية وترجح مصلحة الشعب الفلسطيني على مصلحتها؟ التجربة مع الأسف تقول لا، وهذا بالضبط ما يجب على الشعب الفلسطيني أن يعيه ويحدد موقفًا واضحًا منه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها