الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة منذ نشأتها وحتى اليوم وغدًا أي في ظل المنظور القريب والبعيد على ان تلعب دور الشرطي في منطقة الشرط الأوسط، وأن تصل يدها "ذراع النمر" إلى المناوئين والمعارضين لسياستها هو المشهد القائم. الحروب التي اندلعت بسبب تعدياتها على محيطها وما سببته تلك الحروب أحدث علامة فارقة لدى الشعوب في الإقليم والمنطقة. حروب إسرائيل لم تعد من أجل الحفاظ على وجودها بقدر ما هو تدخل في شؤون الآخرين وفرض أجندة وسياسات على الإقليم ودول المنطقة، تحاول أن تضمن ولاءهم أو عدم مناوءتهم لها.
ومن الواضح بعد السابع من أكتوبر 2023، أن كل القيادات الإسرائيلية حكومة ومعارضة على حدٍّ سواء، تتفق على أمور جوهرية عدة. من الواضح أن السياسة الإسرائيلية تعمل على إنهاء القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي دون أن تكون هناك التزامات إسرائيلية مترتبة على احتلال المدن والقرى الفلسطينية وتهجير سكانها إلى مناطق اللجوء. وبالتالي فإنهم يبنون استراتيجياتهم والمفاهيم التي يعملون بها في إدارة الصراع الذي مضى عليه ثماني عقود، ولا يوجد ضمن الأجندة الإسرائيلية حلول وآفاق تفضي إلى سلام بينها وبين محيطها العربي، وتضع ضمن أجندتها عودة اللاجئين والنازحين وتعويضهم عن سنوات التهجير والخسائر التي لحقت بهم. وهي بهذا تضع على رأس الأجندة في تلك السياسات إبقاء الوضع الفلسطيني مفتوحًا دون حلول مما لا يساعد على استقرار المنطقة.
إسرائيل على رأس أجندتها تعمل على إثارة الحروب والقلاقل في المنطقة، فقامت بتغذية الحركات الانفصالية في السودان وليبيا، والعراق، وسوريا، وفلسطين، واليمن كما أنها تحاول أن تبقي بعض الجبهات مشتعلة لأسباب عديدة، أهمها أنها تحتل أراضي واسعة تسعى بحكم الدعم الامبريالي الدولي إلى التوسع وضم تلك الأراضي الغنية بموقعها الاستراتيجي ومواردها وثرواتها المختلفة إلى إسرائيل.
الرؤيا الإسرائيلية للحل مع الفلسطيني باتت واضحة، وهي أن لا عودة للمهجرين واللاجئين الفلسطينيين عام 1948، أما المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، تعمل على تجميعهم في المدن والتجمعات الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية، معزولة ومنفصلة عن بعضها البعض بهدف منع إقامة دولة فلسطينية.
وهي ترى أن الفلسطينيين يجب أن يُهَجروا من فلسطين إلى الدول العربية وغيرها، والبعيدة منها تحديدًا ليتم توطينهم فيها، حتى لا يتمكنوا من العودة إلى بلادهم أو تشكيل أعمال مقاومة تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية.
الأمر الثالث هو خلق عدو وهمي، وقد نجحت إسرائيل في تعزيز هذا المفهوم على وحدة الشعب الإسرائيلي، وكذلك الحصول على دعم دولي تحت ما يسمى مكافحة الإرهاب الذي يهدد أمن إسرائيل. إن إسرائيل تعمل على استدامة الصراعات ولهذا تعمل على إيجاد أو صناعة "العدو وهمي" لتعمل من خلاله على أجندة تفتح لها أبواب لا يمكن أن تفتح في ظل سلام قائم، ووجهت مؤشرها باتجاه إيران ومحاورها ومنها حركة حماس وحزب الله اللذان يعتبران أحد أدوات إيران في المنطقة، مما فتح باب التصعيد العسكري الدائم، والمستدام في المنطقة. وهذا المحور في ذاته موجهًا إلى العالم الخارجي ليكسبها تعاطفًا دوليًا، وأيضًا إلى الجبهة الداخلية من أجل فرض حالة من التماسك الداخلي ضد العدو الوهمي الذي يهدد أمن إسرائيل ووجودها، لكن هل ننسى فضيحة إيران غيت في زمن الحرب العراقية الإيرانية، يجب أن لا ننسى حتى نأخذ العبرة من الأعداء الوهميين لإيجاد حالة من الرعب تفرضها على المنطقة.
لقد رفضت إسرائيل المبادرات العربية للسلام، وعملت على تقويض الاتفاقيات مع "م. ت. ف"، واعتبرت أن السلطة في برنامجها الدبلوماسي لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، جهة معادية وإرهابية تعمل ضد إسرائيل، كما وأظهرت أيضًا أن حركة حماس العدو الذي يهدد أمن ووجود دولة إسرائيل ووصل بها الأمر اعتبار الرئيس محمود عباس بأنه إرهابي بحلته المدنية الرسمية التي يلبسها.
وفي ذات الوقت عملت على تعزيز مكانة ونفوذ حماس في غزة، ونقلت الأموال القطرية من خلال منظومتها الأمنية إلى قطاع غزة، لسنوات طويلة واستمر الأمر حتى الهجوم الذي شنته حماس على غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023. ثم قامت وفق أجندة معدة مسبقًا بعمل عسكري في قطاع غزة والضفة الغربية وهاجمت تكتلات اللاجئين الفلسطينين في أماكن تواجدهم بمخيمات اللجوء، وأحدثت تغيرًا جوهريًا في تلك المخيمات، فقامت بتهجير سكانها ودمرت البيوت في المخيمات وشقت الشوارع الطولية والعرضية فيها. كما وقامت وفي ظل حربها على اللاجئين الفلسطينيين، منعت منظمة الأونروا التي أسست من أجل تشغيل وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين منذ بدء النكبة عام 1948. كما وأقدمت في قطاع غزة على تدمير القطاع بصورة شبه كاملة لتنفيذ أجندتها المرسومة منذ سنوات طويلة، ليجد سكان غزة من النساء والأطفال والشيوخ المدنيين العزل أنفسهم بين الركام وفي العراء.
الحرب التي تشنها إسرائيل بزعامة نتنياهو على الشعب الفلسطيني، هي حرب من طرف واحد تهدف إلى تماسك الائتلاف الحاكم الإسرائيلي أولاً، وثانيًا من أجل الجمهور الإسرائيلي لإبقائه تحت مظلة هذه الحكومة موحدًا أمام ما تسميه تهديد أمن إسرائيل من الإرهاب الفلسطيني، بنك الأهداف العسكرية للاحتلال الإسرائيلي هم الشعب الفلسطيني الأعزل ومؤسساته المدنية والمرافق المدنية، المدارس ودور الحضانة والجامعات وبيوت الله من الكنائس والمساجد، والبيوت والأبراج السكنية الذين وجهت إليهم إسرائيل حممها، من القنابل الذكية وغيرها ذات القوة التدميرية الهائلة، لتقتل البشر والشجر والحجر.
هذه الحرب كشفت للشعب الإسرائيلي والعالم مدى كذب نتنياهو والحكومة الإسرائيلية، وأن أهداف الحرب التي يشنها تتعدى الأسباب التي قامت من أجلها للإفراج عن المحتجزين لدى حركة حماس، إضافةً إلى إنهاء حكم الأخيرة في قطاع غزة. الحرب القائمة في بشاعتها والجرائم التي ترتكب، تشن ضد الشعب الفلسطيني من أجل اقتلاع جذوره من أرضه، وتوطينه في مجاهل أفريقيا أو أي مكان آخر. هذه الحرب هي إرضاء لليمين الإسرائيلي الذي يهدف إلى تغير الديموغرافيا على الأرض الفلسطينية وعدم إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
كل تلك السياسات التي تعمل من خلالها حكومة الاحتلال رهان على حصان خاسر في طمس معالم القضية الفلسطينية، وإنهاء الوجود الفلسطيني على أرضه. لا التجويع ولا التعطيش ولا القتل ولا التدمير يحطم آمال وأحلام الشعب الفلسطيني. الشعب الفلسطيني يرى في بقاءه على أرضه صمود وتحدي ورباط إلى يوم الدين. هنا باقون، هنا صامدون، ويا محلى النصر بعون الله.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها