أطلق القيادي وعضو المكتب السياسي في حركة حماس موسى أبو مرزوق تصريحات صحفية أثارت جدلاً واسعًا داخل وخارج أوساط حركة حماس. ففي حديثه لصحيفة "نيويورك تايمز"، أشار أبو مرزوق إلى أنه لم يكن ليؤيد هجوم السابع من أكتوبر لو علم بحجم الدمار الذي لحق بقطاع غزة، معبرًا عن انفتاح قيادة حماس على مناقشة مستقبل سلاحها في القطاع. ونتيجة لهذه التصريحات التي تناقضت بشكل جذري مع ما سماه قياديو حماس "انتصار طوفان الأقصى" و"تغيير التاريخ" من أمثال خالد مشعل وخليل الحية وغازي حمد، فإن حركة حماس وعلى لسان الناطق باسمها حازم قاسم اعتبرت أن هذه التصريحات لا تمثل موقف الحركة. كما أكد أسامة حمدان وسامي أبو زهري على قوة حركة حماس وتمسكها بسلاحها، ورفض أي محاولات لمقايضة المساعدات بتسليم سلاح حماس.

في الواقع، لقد اعتدنا على التصريحات المتناقضة لقيادة حماس في الكثير من المناسبات التاريخية لا سيما في ظل الأزمات، فحركة حماس وقعت على جميع اتفاقات المصالحة مع حركة فتح، كما أنها انضمت لحكومة الوفاق بعد اتفاق الشاطئ عام 2014 ولكنها أبدًا لم تكن مستعدة لتسليم سلاحها لهذه الحكومة. وبنفس السياق، وافقت الحركة في تفاهمات بكين وموسكو على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، وأعلنت عن رغبتها وإرادتها في الانضمام للمنظمة، ولكنها لم تتخذ أي خطوة عملية لتحقيق ذلك، بل إنها أصرت على أن فكرة انضمامها للمنظمة يجب أن تبنى أولاً على استمرار حكمها لقطاع غزة، وثانيًا على أن انضمامها للمنظمة يجب أن يكون على أسس إعادة هيكلة المنظمة.

ليس هذا فقط، بل إن الحركة منذ السابع من أكتوبر وحتى هذه اللحظة لم تتحدث في أي تصريح رسمي لها عن منظمة التحرير أو السلطة الوطنية الفلسطينية. وفي وقتٍ لاحق، فضلت الانسياق وحدها في المفاوضات مع إسرائيل عبر وسطاء أو حتى من خلال مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأميركية الجديدة بشكل استفز الجميع باعتبارها كانت دائمًا تعتبر الولايات المتحدة عدوا للشعب الفلسطيني تمامًا كإسرائيل. إضافةً إلى ذلك، فقد عطلت حماس تشكيل لجنة الاسناد التي اقترحتها القاهرة بسبب رفضها لأن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية مرجعية لها. بالمقابل، وعندما تم الإعلان عن تشكيلها في القمة العربية رحب خليل الحية بإنشائها. إلا أن حماس الداخل شكلت لجنة مضادة لهذه اللجنة وادعت أنها تمثل حصيلة التوافق الوطني.

ولهذا يمكن الاستنتاج بأن حماس تستخدم التصريحات المتناقضة كتكتيك سياسي يضمن لها التحايل على الضغوط السياسية الوطنية والاقليمية والدولية من جانب، كما يجعلها أكثر قدرة على المناورة في مفاوضات المصالحة أو مفاوضات صفقة الهدنة مع إسرائيل من جانب آخر. وفي الوقت الحاضر، يبدو أن هذه التصريحات المتناقضة لقيادات حماس تجاوزت التكتيك السياسي بكثير، بل إنها ربما تنذر بانشقاق داخل صفوفها، لا سيما أنها تترافق مع خطة التهجير والانذار الأميركي لها بتسليم جميع المحتجزين الإسرائيليين والخروج من غزة.

في الواقع، لقد توقعت في مقال سابق حدوث انشقاق داخل حركة حماس نتيجة لهزيمة السابع من أكتوبر والإبادة الجماعية التي تحدث في قطاع غزة والضفة الغربية. وهذا الانقسام يمكن تفسيره بالآتي:

1- استشعار حماس الداخل بالخذلان من قيادات الخارج التي تعيش في الفنادق الفاخرة في العواصم الإقليمية وتلقي الخطابات الرنانة، بينما هم الذين قدموا ويقدمون كل شيء تقريبًا في الحرب الأخيرة التي دمرت بيوتهم وقتلت أبناؤهم. ولهذا، بينما نجد أن تصريحات حماس الخارج بدت أكثر اعتدالاً وانفتاحًا على تسليم القطاع، نجد أن حماس الداخل نشرت ما تبقى من ميلشياتها المسلحة في جميع مدن القطاع وحاولت أن تسيطر على معبر رفح، وسعت للسيطرة على المساعدات وإعادة توزيعها وبيعها بما يعطي استقلالية كبيرة لحماس الداخل في الوقت الذي عجزت فيه حماس الخارج عن تقديم أي شيء لهم طوال فترة الحرب.

2- اتساع مساحة الجماهير الرافضة لإعادة حكم حماس في القطاع، فالغزاويون أدركوا أن الحرب الأخيرة دمرت لهم كل شيء تقريبًا، وحملوا مسؤولية هذا الدمار الكبير إلى حكم حماس غير الرشيد وإلى حساباتهم المغلوطة في قرار السابع من أكتوبر. ليس هذا فقط، ولكنهم أدركوا أيضًا بأنه لا فرص لإعادة الإعمار في غزة طالما استمرت حماس في الحكم. كل هذا وضع مسؤولية كبيرة على قيادات حماس في الداخل والخارج، فالخارج أصبح أكثر عقلانية بتسليم السلاح وتقديم التنازلات، بينما قيادات الداخل تدرك أنها ستخسر كل شيء ولن تستطيع أن تعوض خسارتها اذا سلمت إدارة القطاع للسلطة الوطنية أو لأي جهة أخرى.

3- بعد التهديدات الأميركية الأخيرة لا مجال للمناورة والتكتيك والحيل، فحماس الداخل ستدخل حربًا ثانية مدمرة وتهجيرًا إذا لم تقدم تنازلات، ولن تكون بوسعها مقاومة هذه التهديدات على تدمير كل ما تبقى في غزة، بينما حماس الخارج ستتعرض لموجة كبيرة من الاغتيالات والمطاردة ومصادرة الأموال والاعتقالات وقيود الحركة وإغلاق المكاتب الخاصة بها، وهو الأمر الذي لا تستطيع أن تتحمله في ظل نفور الدول العربية من حماس وتحميلها المسؤولية عن الأحداث لدرجة أنهم تحاشوا ذكرها مطلقًا في قرارات القمة العربية في القاهرة.

في النتيجة، يبدو أن حماس الآن ليست في أحسن أحوالها، والذي يغذي اعتقادنا بقرب حدوث انقسام فيها هو صمت قائدها خليل الحية عن الفصل بين كل هذه التناقضات في المواقف. ففي الوقت الذي يتمتع به الحية بنفوذ كبير في حماس الداخل، إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يمتلك الجرأة ليعتذر للشعب الفلسطيني عن توريطه لهم في حرب مدمرة وغير محسوبة أعطت المبرر للاحتلال بتدمير القطاع وتهجير أهله، كما أنه لم يمتلك الجرأة حتى الآن للإعلان عن تخلي حماس عن حكم القطاع وتسليمه للسلطة الوطنية الفلسطينية. إن هذا الصمت لن يمنع التاريخ من تحميله مسؤولية إعطاء إسرائيل مبررًا لاستمرار العدوان مرة آخرى على الشعب الفلسطيني في القطاع. لقد حانت الآن لحظة الشجاعة والمسؤولية لخليل الحية لكي يتماشى فعلاً وقولاً مع مقررات القمة العربية.