أدخلت إسرائيل الدبابات والآليات العسكرية الثقيلة إلى ساحة عدوانها العسكري العنيف ضد القرى والمخيمات، والمدن الفلسطينية الحاضنة لها، في شمال الضفة المحتلة، التي لا أي ملمح عسكري فيها يستدعي ذلك، فهي مثلها مثل أي عمران سكني متواضع، بيوت، ومبانٍ، وحارات، وأزقة، وشوارع، وأسواق، ومساجد، ومدارس، ومشاف، ومقاه.

كل شيء فيها لا يتعلق بغير الحياة المدنية، وشؤونها اليومية، فلماذا استدعى الاحتلال دباباته وآلياته الحربية الثقيلة إذن، ليهاجم بها كل هذه الوداعة، وهذه المدنية التي عليها المخيمات، والقرى، والمدن الفلسطينية، شمالي الضفة المحتلة؟.

إنها الخديعة الإعلامية، يريد الاحتلال بمشهد الدبابات والآليات الثقيلة، تخليق إيحاء للرأي العام أينما كان، بأنه إنما يخوض حربًا ضد  معسكرات محصنة، وقوات مجحفة تريد الإطاحة بأمن إسرائيل.

الاحتلال بمثل هذا المشهد، وهذا الإيحاء، إنما يريد تشويه الحقيقة الماثلة أمام العالم أجمع، حقيقة أن ما يفعله بجرافاته العسكرية، ودباباته الحربية، ورصاصه القاتل، ضد أبناء شعبنا، وهم في بيوتهم، وحاراتهم وأسواقهم، ومساجدهم، ليس إلا عدوانًا احتلاليًا صارخًا، بكامل أركانه، التي يحاسب القانون الدولي العدوان على أساسها.

دبابات، وجرافات عسكرية، ومجنزرات، ومسيرات، وناقلات جنود، وهذه لأجل حرب تكون عادة بين دول، وليس ضد مدن، ومخيمات، وقرى آهلة بالسكان الذين يسعون في دروب لقمة العيش لأجل عافية الحرية.

الملفت أن حركة حماس التي تفاوض لأجل الذهاب إلى المرحلة الثانية من اتفاق صفقة الهدنة، وقد تباهت باتصالاتها الأميركية، لا تأتي على ذكر العدوان الإسرائيلي المتواصل على الضفة الفلسطينية المحتلة، ولا بأي كلمة من الكلمات، بل تظل تجاهه في صمت مريب، لكن وعلى ما يبدو أن "حماس" ترى في صمتها هذا، ما سيمنحها فرصة أفضل في مفاوضاتها لتحظى بمطلبها الأساس، البقاء على كرسي الحكم في غزة.

ومع أن هذا المطلب لا يبدو واقعيًا لاعتبارات عديدة، إلا أن حماس لا تكف عن التشبث به، وهذا ما يدفع بها عادةً إلى طرق مختلف الأبواب، عدا باب منظمة التحرير الفلسطينية، وبتوسل معيب، تطرق تلك الأبواب الخطأ، فعضو المكتب السياسي لحركة "حماس" سهيل الهندي يرجو الرئيس الأميركي أن "يكون عادلاً في التعامل مع قضيتنا" كما قال بالنص، ولا يقصد الهندي بالطبع القضية الفلسطينية، لأن الاتصالات الأميركية التي جرت مع "حماس" لم تكن بالقطع اتصالات سياسية، بل تقنية وأمنية تمامًا، تعلقت بسرعة إطلاق سراح المحتجزين الأميركيين والإسرائيلين لدى حركة حماس وأذرعها في القطاع المكلوم، لن نغفل هنا حقيقة أنه في اتصالات من هذا النوع لا تكر غير مسبحة التنازلات المعيبة وحماس في مفاوضات الهدنة كرت المزيد منها قبل هذا اليوم.

 بالأمس أعلنت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا التعهد بالعمل مع الخطة العربية المصرية الفلسطينية لإعادة الإعمار لقطاع غزة، التي أعلنتها القمة العربية الطارئة الأسبوع الماضي وهي الخطة القائمة على رفض التهجير بكل أشكاله، وقبل هذه المجموعة الدولية، كان مجلس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي يعلن اعتماده الخطة العربية، الفلسطينية المصرية، كما أن الإدارة الأميركية قالت على لسان مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط  "ستيف ويتكوف" إنها بصدد دراسة الخطة، وبها الكثير من المميزات، ووصفتها بأنها خطوة أولى حسنة النية، نشير إلى كل ذلك هنا، لعل "حماس" تقرأ جيدًا معنى هذا التعهد، وهذا الاعتماد وهذا الوصف، لهذه الخطة، لعلها تكف عن معاقرة أوهامها المدمرة، ولعلها تدرك أن ما جرى من اتصال أميركي معها، لن يُشكل لها قارب النجاة الذي ترجو، فبحر أزمتها عاصف، ومتلاطم الأمواج، ومع شديد الأسف لا نظن أن حماس ستدرك ذلك.