ليس أمام حماس إلا التنحي جانبًا، والغياب عن المشهد السياسي الفلسطيني، لكن ليس قبل محو آثار انقلاب 2007 بنتائجه الكارثية على الشعب الفلسطيني، والحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية)، ليس أمامها سوى الإقرار بسلطة حكومة دولة فلسطين، وسيادة القانون الأساسي الفلسطيني، بأبوابه ومواده كافة، ما يعني الإقرار بوحدانية السلطة الوطنية الفلسطينية، وحكومتها، ومؤسساتها بما فيها المؤسسة الأمنية، وحصر حمل السلاح بأفراد أجهزتها الرسمية الشرعية، وفوق كل هذا الإقرار بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأن أي محاولة لاصطناع بدائل باطلة جملة وتفصيلا.
وقد يبدأ المواطن الفلسطيني الملدوغ من جحر حماس باستعادة بعض الأمل المطلوب، للبقاء على أرض وطنه، وسيكون العكس مجرد عبث، سيجلب كارثة أفظع وأشد مما حدث منذ السابع من أكتوبر. وعليهم الإقرار ضمنًا، إن لم يكن علنًا، أن مصلحة الشعب الفلسطيني، التي لم تنبهوا لها بعد أفظع نكبة حدثت في تاريخه، تتطلب طرد النظرة الفئوية للأمور، ورؤيتها بواقعية وعقلانية حتى، ولو جاءت متأخرة جدًا، فالأهم بالنسبة لنا إنقاذ شعبنا من الكارثة، والأفظع الذي قد يقع، إذا ركبوا العناد، وأطلقوا عنانه، وليضعوا هذا السؤال الصريح على رأس جدول أعمالهم: ما الذي سيمنع المواطن الفلسطيني المنكوب، ألا يفكر أو يبادر للهجرة بأي طريقة، فرغبة الإنسان للنجاة والاتجاه نحو مقومات الحياة الطبيعية ولو في حدها الأدنى طبيعية، لا قدرة للنظريات والخطابات السياسية والتعبوية على احتوائها، أو تطويعها، وتحويلها إلى اتجاه البقاء، في ظروف لا مقومات حياة فيها، فالإنسان يتمسك بأرضه، ما دامت الحياة تنبض في أركانها، أو بلمس بعض الأمل بإمكانية استعادة نبض الحياة، وعليهم ألا ينفخوا في جمر الخطاب التعبوي الانفعالي، لأن واضعي خطط التهجير القسري، قد عدلوا خططهم، لتبدو أمام الرأي العام العالمي "هجرة طوعية" لكنها في حقيقتها شكل من أشكال "التهجير القسري" الذي تم التمهيد له بتدمير شامل لمقومات الحياة في قطاع غزة، وقد لجأ ساسة منظومة الاحتلال والاستيطان والعنصرية (إسرائيل) إلى هذا الإخراج، لإدراكهم أن "التهجير القسري" علنًا، جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي، ما يعني تعرض المسؤولين والمنفذين الكبار لملاحقة قضائية إضافية من المحكمة الجنائية الدولية، والتسبب بتراكم ملفات جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها (دولة إسرائيل) التي أدينت سابقًا وفقًا لمنظمة العفو الدولية، بتطبيق أنظمة وقوانين عنصرية، على الشعب الفلسطيني، الأصيل على أرضه، خاصة وأنها القوة القائمة بالاحتلال، كما قررت ذلك محكمة العدل الدولية بفتواها، كما يدركون أن تهمة التهجير القسري، ستعزز الاتهام السابق الموجه من الجنائية لرئيس حكومة المنظومة بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه السابق يوآف غالانت، كما سيعجل التأكيد على ضرورة ايقافهما بتهمة مسؤوليتهما المباشرة عن (جريمة الإبادة) في قطاع غزة.
لكن ساسة وجنرالات الاحتلال يعلمون أيضًا أن الهجرة الطوعية ليست مباحة في القانون الدولي وحسب، بل حق لكل فرد في القانون الدولي، وهنا بيت القصيد، فما بين خطتي التهجير القسري والتهجير الطوعي لأبناء شعبنا الفلسطيني، وتحديدًا من قطاع غزة، تكمن أخطر مراحل "جريمة العصر" فالهدف كما نراه، تقليص وجود شعبنا الفلسطيني على أرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين إلى أدنى الأرقام، بعد إنهاكه بحملة إبادة جماعية، وتدمير شامل لمقومات الحياة، لأكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، وعشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات شمال الضفة الفلسطينية كمخيم جنين، ونور شمس في طولكرم، والفارعة في طوباس، فالهجرة الطوعية التي أعلن سموتيريتش عن استكمال خطتها، وتوفير الآليات اللازمة لتطبيقها، يبدو أنها بانتظار الضوء الأخضر من المستوى السياسي، لدى حكومة الاحتلال للبدء بالتنفيذ، والسؤال الأهم في هذه اللحظات المصيرية، هل بلغ قادة حماس الساسة منهم والعسكر اليقين، بأن "الهجرة الطوعية" ستكون الوجه الناعم لجريمة "التهجير القسري"؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها