للقيادي الحمساوي أسامة حمدان، تصريحات دعائية فاقعة، أطلقها من على منصة منتدى فضائية "الجزيرة" بنسخته السادسة عشر، التي عقدت في العاشر من هذا الشهر، خلاصة هذه التصريحات لا تقول، وبمنتهى الوضوح، سوى أن حركة "حماس" لم تعد قادرة على مغادرة حال النكران المطلق لما أصابها، وما أصابها حتى اللحظة، اتفاق هدنة أقل ما يُقال عنه بأنه أطاح بمجمل أهداف "طوفان الأقصى" التي عددتها خطابات "حماس" في الأيام الأولى من هذا "الطوفان" الذي أتى على قطاع غزة، ولم يعرف شيئًا من دروب الأقصى.

حمدان من على منصة هذا المنتدى لا يأتي على ذكر هذه الحقيقة، ولا حتى بأي تلميح، لا بل إنه وبالنكران المطلق لا يرى شيئًا من تلك الأهداف، التي أطيح بها، ويذهب إلى التشبث بفكرة المقاومة ليقول بانتصارها، بالفم الملآن وباللهجة العامية "إحنا ما انهزمناش، إحنا انتصرنا، فكرة المقاومة انتصرت" الفكرة إذًا هي التي انتصرت، لا الواقع، ولا الحال الذي توسل اتفاق الهدنة. وغير ذلك من قال أن فكرة المقاومة كانت معرضة للهزيمة أساسًا، حتى يتباهى حمدان بانتصارها وفكرة المقاومة في المحصلة فكرة الشعوب المناضلة في سبيل حريتها واستقلالها، وأينما وجد الاحتلال. 

لكن برغم انتصار الفكرة، الذي لا يؤلف واقعًا، ولا بأي حال من الأحوال، يعترف حمدان أن التوازن في المنطقة نتيجة الذي جرى قد اختل -لا يريد حمدان هنا أن يقول بأنه اختلال لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وحلفائه- متشبثًا بأوهامه أنه اختلال لم يلغ المعادلات التي كانت قائمة في المنطقة -يقصد معادلات المقاومة- ويقر على مضض بأنه اختلال أضعف بعض هذه المعادلات، "ولم يلغها، لم يلغ فكرة المقاومة، ما شطبها" حسبما قال مضيفًا أن "فريق المقاومة" سيرمم ما أصابه -الترميم بطبيعة الحال لا يكون إلا لما قد كسر- وأن أمام هذا الفريق من وجهة نظره فرصة لأن يتسع.

هذا هو جوهر انتصار فكرة المقاومة إذًا، أنها لم تشطب فحسب، فليس مهمًا أنها لم تحقق شيئًا من أهدافها التي كانت معلنة في بياناتها، وشعاراتها، وخطبها.

"فريق" المقاومة سيخوض إذًا مباراة الترميم، وهذا هو مربط الفرس بالنسبة لحماس على ما يبدو، الترميم الذي ترجوه من داعمي انتصار الفكرة، والمقصود بالطبع طهران، التي قال حمدان: إن "علاقة حماس بها، لن تكون موضع نقاش مع أي أحد في أي تفاهمات سياسية مقبلة، تعيد التوازن في المنطقة، بعد الترميم"، بل إن هذه العلاقة كما قال ستظل خارج النقاش، تمامًا كما سيظل خارج هذا النقاش سلاح المقاومة. لم يكن ممكنًا أن يقول أسامة حمدان من على منصة منتدى "الجزيرة" غير هذا الكلام، فهذا المنتدى كما فضائيته الإخبارية، في خدمة أقاويل الخديعة، وترويج الأوهام، وتعظيم أمر البلاغة الشعبوية. من على منصة هذا المنتدى تعلن انتصارات الفكرة، وهزيمة من أطاح بخطاباتها وشعارتها ووعودها، وهذا هو العجب العجاب.