منذ طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته العدمية والمرفوضة وغير الواقعية بتهجير الفلسطينيين القسري من وطنهم الأم فلسطين عمومًا، ومن قطاع غزة خصوصًا في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، وأكدها في مؤتمره الصحفي مع بنيامين نتنياهو فجر الثلاثاء 5 شباط/فبراير الحالي، وأركان الائتلاف الحاكم الإسرائيلي يهللون لها، وطالبوا بتبنيها لمواصلة هدفهم بالتطهير العرقي لأبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة منذ ما بعد الشروع بالإبادة الجماعية مع الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي في مطلع الثلث الأخير من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأطلقوا عليها عنوان "السيوف الحديدية"، لأنها تتطابق مع مخططهم الإجرامي القديم الجديد.
وأساسًا لم تتوقف حكومة نتنياهو النازية عن تنفيذ مشروعها الأخطر على الشعب الفلسطيني في محافظات الدولة الفلسطينية المحتلة كافة، وليس في قطاع غزة فقط، بل تشمل الضفة بما فيها القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، وما يجري فيها من إبادة جماعية يعكس هذا المشروع، بهدف تصفية القضية والوجود الفلسطيني برمته، إذا ما استطاعت تحقيق ذلك. لكن بالقراءة الموضوعية للواقع، ورغم قتامته وظلاميته فإن المؤشرات الماثلة في الواقع الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي، وحتى الأميركي لن تسمح بذلك لمجموعة من العوامل، منها:
أولاً إصرار الشعب الفلسطيني على التجذر في التراب الوطني، ورفض التهجير القسري، وتمسكه بهويته ومشروعه الوطني، ورفضه تكرار تجربة نكبة عام 1948 مهما كانت التضحيات الجسام التي يمكن تقديمها قربانًا لحماية المشروع الوطني واستقلال الدولة الفلسطينية، ولعل تجربة الإبادة الجماعية خير دليل على واقعية الاستنتاج، الذي مثله أبناء قطاع غزة مع إعلان الهدنة الأولى في 19 كانون الثاني/يناير الماضي والسماح لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم ومخيماتهم، عادوا كشلال هادر، رغم معرفتهم المسبقة، أنهم يعودون لبيوتهم المدمرة أو شبه المدمرة وانتفاء أبسط مقومات الحياة؛ ثانيًا الرفض العربي الرسمي والشعبي للمخطط الإجرامي الصهيو أميركي، وإعلانهم صراحة وعلى الملأ في مصر والأردن والعربية السعودية والدول كافة رفض خطة الرئيس الـ47، والتداعي لعقد القمة الطارئة، التي تم تأجيلها لأسياب لوجستية، وفق المصادر المصرية، وأيضًا عقد قمة مصغرة يوم بعد غد الخميس في الرياض لوضع الرؤية العربية المشتركة تمهيدًا للقمة العربية الموسعة لاحقًا؛ ثالثًا رفض منظمة التعاون الإسلامي الخطة العبثية، والدعوة لعقد قمة للدول الإسلامية لاتخاذ موقف موحد ضد الخطة. وكذلك رفض الفاتيكان والكنائس المسيحية المختلفة بغالبيتها المشروع الخارج عن المنطق، وأيضًا عشرات ومئات من الحاخامات والنخب الفنية والثقافية والإعلامية اليهودية للمشروع غير الواقعي؛ رابعًا رفض أقطاب ودول العالم في غالبيتها الساحقة للخطة، واندفاع الدول الأوروبية والغربية عمومًا الإنكلوسكسونية والفرانكوفونية لها، ليس هذا فحسب، إنما بإبداء الاستعداد من قبل دول الاتحاد الأوروبي للتعاون مع الدول العربية لترسيخ وجود الفلسطينيين في أرض وطنهم الأم، وإدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والدوائية والمستلزمات الطبية والإيوائية لتعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني في مدنهم وقراهم ومخيماتهم، لتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967؛ خامسًا مشروع القرار الذي تقدم به 145 عضوًا في الكونغرس الأميركي لرفض الخطة، ورفض وتحفظ العديد من قادة الحزب الجمهوري، وخاصة غرهام ليندسي المقرب من ترمب، وكذلك تصريحات عدد من مستشاري ساكن البيت الأبيض، بأن الخطة ستختفي عن الطاولة ومن المشهد ككل، كان هذا تصريح ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي، الذي صرح يوم الجمعة الماضي 14 شباط/فبراير الحالي، نحن بانتظار رؤية الخطة العربية، ولا يفوتني التأكيد على موقف هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة وعلى رأسهم مواقف الأمين العام للهيئة الدولية الأولى في العالم أنطونيو غوتريش.
مع كل هذه العوامل أجزم، أن الخطة سيكون مصيرها أسوة بمصير صفقة القرن، التي طرحها رئيس الولايات المتحدة في دورته الأولى، حتى هو تجاهلها، وباتت طي النسيان، وبالتالي على القادة الإسرائيليين أن لا يتوهموا، أو يمنوا النفس بإمكانية بقاء الخطة الأخطر على الشعب الفلسطيني، حتى لو تبنوها، وهم مبدئيًا عملوا ويعملون على تنفيذها على مدار عقود الصراع الطويلة، وتعاظمت حروبهم وجرائمها مع صعود حكومة نتنياهو السادسة، إلا أن كل حروب الأرض المحروقة لم تفت في عضد الشعب الفلسطيني، ولا في قيادته الشرعية، التي تواصل النضال لترسيخ وجود الشعب بكل الوسائل وبالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء في العالم سيتم هزيمة الخطة والمخطط الإجرامي الإسرائيلي، والنتيجة المؤكدة والراسخة في المستقبل المنظور، وليس البعيد هو الانسحاب الإسرائيلي الكامل من أراضي دولة فلسطين المحتلة بما فيها القدس الشرقية، العاصمة الفلسطينية وقطاع غزة، الذي سيكون تحت ولاية منظمة التحرير والدولة والحكومة الفلسطينية، وواهم من يعتقد غير ذلك، كما أكد الرئيس أبو مازن في كلمته أمام قمة الاتحاد الأفريقي قبل يومين في أديس أبابا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها