خلط الرئيس الأميركي دونالد ترمب أوراق اللعبة السياسية في الشرق الأوسط عمومًا، وعلى المسار الفلسطيني الإسرائيلي تحديدًا بعد إعلان خطته المجنونة عن فرض التهجير القسري على أبناء الشعب الفلسطيني وخاصة من قطاع غزة، وتهجيرهم إلى كل من مصر والأردن، وقبل ذلك إلى إندونيسيا والبانيا، ثم إلى أرض الصومال والمغرب، وتوج ذلك في مؤتمره الصحفي مع رئيس الائتلاف الإسرائيلي الحاكم فجر الثلاثاء بتوقيت فلسطين 5 شباط/فبراير الحالي، بإصراره على عملية التطهير العرقي لفلسطينيين من القطاع، وفرض السيطرة الأميركية عليه، لتحويله لـ"ريفييرا الشرق الأوسط"  والاستثمار الاقتصادي والسياحي فيه، مما شجع رجل إسرائيل القوي لتهربه من الالتزام بمواصلة تنفيذ بنود اتفاق الدوحة وهدنة الثلاث، حيث طالب بتمديد المرحلة الأولى، التي بدأت يوم الأحد 19 كانون الثاني/يناير الماضي، وأوقف المفاوضات في المرحلة الثانية، التي كان من المفترض أن تبدأ بعد 16 يومًا من بدء المرحلة الأولى، التي يفترض أن تستمر لمدة 42 يومًا، ليس هذا فحسب، بل إنه أعلن عشية عودته لإسرائيل من واشنطن قبل ثلاثة أيام، أنه سيعيد النظر في مجمل الاتفاق المبرم بمراحله الثلاث.

هذا التطور الإسرائيلي الخطير جاء في أعقاب مواقف ساكن البيت الأبيض الجديد، حيث أصابت النشوة أركان الكابينت والحكومة الإسرائيلية عمومًا، الذين تبنوا في اجتماع الكابينت أول أمس الثلاثاء موقف ترمب، وفي ذات الوقت، طالب بنيامين نتنياهو "التزام" حماس بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، مما دعا حركة حماس لإعلان رفضها تنفيذ الإفراج ما لم تلتزم إسرائيل بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع الوسطاء العرب (مصر وقطر والراعي الأميركي) لبحث المرحلة الثانية، وعلى إثر ذلك هدد ترمب بوقف إطلاق النار، وتحويل القطاع إلى جهنم، إن لم تطلق حماس الرهائن الإسرائيليين جميعًا قبل الساعة الثانية عشر من يوم السبت المقبل، بدل أن يضغط على نتنياهو وحكومته بالالتزام بنصوص الاتفاق. مما فاقم من تأجيج التوتر، والتهديد الفعلي لإمكانية المضي قدمًا في تطبيق الاتفاق.
وعلى أثر إعلان حماس عن رفضها الالتزام بما تم الاتفاق عليه في عملية التبادل بين الرهائن الإسرائيليين وأسرى الحرية الفلسطينيين، دعت الحكومة الإسرائيلية قوات الاحتياط مجددًا إلى الالتحاق بالجيش استعدادًا لكل السيناريوهات المحتملة، وطوقت القطاع بدباباتها على غلاف القطاع، وتحديدًا عودة دائرة الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وفي ذات الوقت، دعا وزراء حكومته عدم التعليق على مواقف الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، لأنه أراد النأي بالذات الإسرائيلية عن التناقض المحتدم بين الحكام العرب وخاصة مصر والسعودية والأردن وباقي المنظومة الرسمية العربية مع الإدارة الأميركية. مع أن بتسليئل سموتريش لم يتوقف عن إطلاق المواقف المنادية بمنع الماء والكهرباء والوقود عن القطاع، بالإضافة إلى تهديده بضم 5% من أراضي القطاع في حال حدث مكروه لأية رهينة إسرائيلية، وحربهم دائرة ضد محافظات جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها والقرى الفلسطينية، وباقي المحافظات وأن بدرجة أقل نسبيًا مما يجري في الشمال.

مما دعا الأشقاء في مصر وقطر للتدخل لتهدئة الأمور، وضبط إيقاع التهديدات المتبادلة بين الأطراف المعنية وإيجاد الحلول المناسبة والممكنة لوأد التصعيد الإسرائيلي الأميركي. والخطير في الأمر أيضًا، إن حركة حماس لم تتوقف عند عدم الالتزام بالإفراج عن الرهائن، إنما أبدت الاستعداد للعودة للقتال، معرضة أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بعودة الإبادة الجماعية، وكأنها تملك القدرة العسكرية لمواجهة الجيش الإسرائيلي وجهنم ترمب المنفلت من عقال القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، مع أنها فقدت الجزء الأكبر من قياداتها وكوادرها وعناصرها القتالية، ولم تعد تملك الإمكانيات الممكنة للمواجهة العسكرية المختلة لصالح الأعداء.
فضلاً عن أنها (حماس)، ارتكبت أخطاء فادحة في استعراضاتها البهلوانية في عمليات الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، ليس هذا فحسب، بل إنها يوم السبت الماضي رفعت شعارًا يعكس نواياها بمواصلة بقائها في السيطرة على القطاع، وجاء في الشعار "طوفان الأقصى واليوم التالي". مما قدم المزيد من الذرائع للحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، مع أن قيادة حماس أعلنت فيما سبق تخليها عن حكم غزة، مما يعكس تشبثها بالبقاء على رأس الانقلاب، وعدم السماح لتولي منظمة التحرير الفلسطينية والدولة والحكومة ولايتها السياسية والقانونية والإدارية على القطاع أسوة بباقي المحافظات الشمالية بما فيها القدس العاصمة الأبدية، وإبقاء المشهد الفلسطيني في حالة انقسام وتمزق، مع أن الضرورة تملي عليها الاستفادة من دروس وعبر الإبادة الجماعية، والعمل لتوحيد الجهود الفلسطينية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، والابتعاد عن المشهد السياسي حرصًا على الشعب المنكوب بتداعيات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي دفع أثمانًا باهظة من الأرواح الفلسطينية وجلها من الأطفال والنساء، بالإضافة لعمليات الدمار الهائل، الذي حول القطاع إلى ملايين الأطنان من الدمار.
النتيجة المنطقية والواقعية تتطلب من قيادة حماس التراجع للوراء لحماية نفسها والشعب عمومًا، ولتعزيز مكانة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني "م.ت.ف"، وأيضًا لتصليب المواقف العربية الداعمة للشعب الفلسطيني والمواقف الأممية المؤيدة له، والهادفة جميعها لحماية الشعب والدفع بحقوقه السياسية والقانونية للأمام وفرض الحل السياسي.