لا يمكن لعاقل أن يكون مع كبت الحريات، أو مع إغلاق وسيلة إعلام أو مؤسسة إعلامية، أو توقيف صحافي أو صاحب رأي أو على خلفية سياسية، ولكن ليس من المسموح أن يكون هناك مقاول إعلامي لا شغل ولا عمل له سوى زرع الشقاق والانقسام في المجتمع الفلسطيني، وتبني طرف وتزيين صورته حتى لو كانت قبيحة، ويناصب العداء المتوحش والعدواني للطرف الآخر ويعمل على تدميره وإضعافه. وكل ما سبق قد يكون مقبولاً، ولكن أن تكون نتيجة كل ذلك هي مساعدة إسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية، أو أن يخدم الأمر محورًا إقليميًا بعينه على حساب دم الشعب الفلسطيني فهذا لا يدخل في مجال حرية الرأي والتعبير، إنه تصرف عدواني، وهو اعتداء يجب التصدي له، بكافة الوسائل.
قد يُقال أن التجربة قد أثبتت أن الجزيرة لا يمكن إسكاتها، وأن عدوانيتها تمتلك من الإمكانيات ما لا قبل لنا نحن الفلسطينيين على مواجهتها، وقد يكون من الصواب القول أن الإعلام يواجه بالإعلام، والرأي يواجه بالرأي، ولكن هذا الصحيح والصائب لا ينطبق على الجزيرة التي تزوّر الحقائق وتحرفها بما يناسب أجندات مشغليها، هي إعلام غير مهني وغير موضوعي، إنما هي شيء يشبه الوحش الذي ينهش في جسدك، فماذا يكون ردك عليه؟.
الجزيرة ليست مؤسسة إعلامية، إنما هي جزء من عمل ممنهج يشمل مراكز أبحاث ووسائل إعلام فرعية بالمئات، وشراء نخب وسياسيين وخبراء من عمل استخباري على إعلامي مهمته جزء من مهمة أكبر مكلف بها من دول كبرى. وإذا نظرنا إلى الساحة الفلسطينية، فإن الشيء الوحيد الذي لم يهيمن عليه الوحش المشار إليه هو القرار السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لذلك يواصل العمل من أجل إما الهيمنة على القرار، أو تدمير كل المبنى السياسي غير المستوعب لا بالعصا ولا بالجزرة.
في الساحة الفلسطينية هناك فصائل وشخصيات سياسية ونخبوية، وإعلاميون، ومراكز بحث ودراسات في الوطن والخارج كلها تعمل بنسق واحد وتمول من نفس الجهة أو الجهات، فالجزيرة هي رأس حربة لشبكة كبيرة تعمل معها وتدعمها لتحقيق الأهداف ذاتها، وهي شبكة خلفها مليارات الدولارات ومطبخ يديره خبراء من كل العالم، فإما أن ترضخ لها أو أنها تواصل نهش جسدك.
ما هو مطلوب من المثقفين الذين لم تهيمن عليهم أموال الجزيرة بعد، أن يكونوا أكثر نشاطًا في كشف وإظهار ما تقوم به "الجزيرة" وأخواتها وإخوانها وكل من سقط في حبائلها، وأن يجري التمييز بين حرية التعبير وما تقوم به الجزيرة منذ عقود.
لا شك أن حرية الرأي والتعبير هي أمر مقدس ولا يجب المس به، وما على المثقفين سوى مراقبة سلوك السلطة الوطنية الفلسطينية في هذا المجال، ولكن هذا الأمر لا يتعلق بالجزيرة، ولكي نوضح الأمر نطرح بعض الأسئلة: هل تستطيع الجزيرة انتقاد أي سياسة لتركيا مثلاً؟ أو لدول الخليج؟ ثم للنظر كيف كان دور الجزيرة في الدول العربية إبان ما سمي بالربيع العربي هل كانت بالفعل تبغي الحرية والديموقراطية أم دعم الإسلام السياسي ليهيمن على المشهد ويكسر موجة التغيير الحقيقية نحو الديموقراطية الحقيقية؟.
الواقع المشار إليه يؤكد أن الجزيرة بحاجة لجهد كبير، فالإغلاق وحده قد يكون غير كافٍ. لا بد من توعية الجمهور بخطر الجزيرة، ولماذا أقدمت السلطة الوطنية على الإغلاق، هناك حاجة لحديث أوسع وأعمق عن مخاطر "الجزيرة" وملحقاتها من شخصيات ومراكز بحث وغيرها، فالحديث لا يجب أن يقتصر على قناة بعينها وإنما شبكة ونهج ودلالات هذا النهج. يجب المواجهة بإسهام الإعلام الوطني والمثقفين الذين صمدوا في وجه المال السياسي والقوى والأحزاب، والمواجهة لن تنجح إذا اقتصرت على قرار الإغلاق، وقد يصبح هذا القرار لا حاجة له إذا كان المجتمع محصنًا ومشاركًا في القرار السياسي. وما يهمنا من كل ذلك أن نحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني، وأن نمنع تصفية القضية الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها