هناك فرق بين حرية الرأي والتعبير وحرية التحريض على القتل والتخريب والتمادي في استهداف المرافق العامة

حرية الرأي تعني حق الفرد في تبني واعتناق الاراء التي يراها مناسبة كما في حرية الاعتقاد.
اما حرية التعبير فهي تعني حق الشخص في التعبير عن رأيه بأية وسيلة كانت او دون اذن مسبق من المرجعيات الرسمية. وهما متلازمتان من حيث انه لا يمكن التعبير عن الرأي الا من خلال ممارسة كلتا الحريتين معا. وهذا ما اشتملت عليه المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وكذلك المادة 19 من القانون الاساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003.

وحرية الرأي لا يمكن ان تكون مشمولة بالحماية الدستورية، الا اذا روعيت المسؤولية في استخدامها، وعدم مخالفة القوانين والتشريعات المعمول بها في البلاد فتوجيه الاساءة للاخرين لا يمكن ان تمنح صاحبها الحماية تحت عباءة مبدأ حرية الرأي والتعبير.
وينبغي احترام مشاعر الاخرين.
فكيف اذا تعلق الامر بالأمن العام والنظام العام والسلامة العامة والسلم الاهلي وحالة نشوء الاضطرابات المسلحة؟
فهل ستكون حرية الرأي والتعبير مطلقة ومستباحة دون اية قيود او ضوابط او حتى تدابير احترازية ووقائية؟
وهل من المسموح في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشها اي بلد كان المساس بهيبة السلطة العامة او بمؤسساتها وافرادها؟
هل تسمح اي دولة كانت بالاعتداء على مقراتها ومنشآتها وحياة افرادها؟

فإذا كان المقصود من اي فوضى مسلحة او عصيان مسلح هو تهديد وجود سلطة عامة او دولة او نظام سياسي، فماذا تنفع الدساتير والقوانين اذا لم تعطل وتفعل بدلا منها السلطات الاستثنائية مثل حالة الضرورة او حالة الطوارئ العامة؟

ألا يعتبر استخدام سلطة الضبط الاداري حقا دستوريا واداريا وقانونيا للدولة تلجأ اليه في حال وجود خطر حال ومحدق بحق الدولة ومؤسساتها وافرادها؟ أَلم تكن غزة ساحة للانقلاب العسكري المسلح ضد السلطة الشرعية في العام 2007 نموذجا يجب اخذ العبرة منه بعدم التراخي مع اي حالات تمرد مسلحة او ما سمي بالحسم العسكري؟ *ان التباكي على حرية الرأي والتعبير لمن لا يحترم هذه المساحة من الحرية ينطوي تحت طائلة السماح بإشاعة الفوضى وحالة الفلتان، وعليه فإن مسؤولية الدولة حماية المصلحة العامة والامن العام والنظام العام من عبث العابثين، ولا مساومة على الأخطار التي تهدد كيان الدولة من الانهيار امام المسائلة لاي كان موقعه ومسماه، واتخاذ كافة التدابير الاحترازية والوقائية لضمان سلامة وأمن البلاد والعباد.

وبالرجوع الى القرار الصادر بوقف قناة الجزيرة المؤقت عن العمل في اراضي دولة فلسطين، والى المسوغ القانوني الذي يبرر هذا القرار ، فانه تدبير احترازي مؤقت مبني على سلطة الضبط الاداري الممنوح للسلطة العامة في الدولة وللوزارة صاحبة الاختصاص في منح الرخصة اللازمة لاي قناة اعلامية تمارس عملها الصحافي استنادا للقوانين والانظمة النافذة في الدولة. وعلى اي قناة اعلامية او فضائية الالتزام بالاتفاقيات الدولية الناظمة لاصول عملها في اي موقع تتواجد فيه، خصوصا اذا كانت تتعرض لعدوان او عصيان او فوضى، تقف ورائه فئة عقائدية او خارجة عن القانون، وتشجعها تلك القناة او الفضائية الاعلامية، ويشكل خطرا وجوديا لكيان الدولة التي يتواجد فيها هذا الاعلام. فالديمقراطية ليست على اطلاقها كما ان حرية الرأي والتعبير ليست مشرعة ابوابها دون قيود او ضوابط نصت عليها القوانين والانظمة في اي دولة كانت.

ودولة قناة الجزيرة نفسها لا تعطي الحق لاي كان بالتدخل في شؤونها الداخلية بما يهدد كيانها ووجودها، فمظلة التباكي على حرية الصحافة والاعلام، او حرية الرأي والتعبير ، ليست على اطلاقها، ومن لا يحترم حقوق وحريات الاخرين لا ينتظر المساحة المفتوحة لممارسة هذا الحق دون اتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية اللازمة في مواجهته.
هناك فرق بين حرية الرأي والتعبير ، وحرية التحريض على القتل والتخريب والتمادي في استهداف كيان السلطة العامة، وتعطيل المرافق العامة والمصالح العامة بحجة الحق في التظاهر والحق في التجمع والحق في التعبير عن الرأي المخالف لرأي السلطة. ولكن هذا الحق وهذه المساحة الواسعة من الحرية لا تعطي لصاحبها الحق في القذف والسب والشتم والتحقير والاهانة والتخوين والتكفير واطلاق الرصاص على افراد الامن ومقرات الاجهزة الامنية وزرع العبوات الناسفة في الاماكن العامة والمزدحمة تحت حجج مقاومة واهية.
 
اما في ما يتعلق بمسألة التناسب بين الفعل المجرم والممنوع والمخالف قانونا وبين ما اتخذ من اجراءات في اطار سلطة الضبط الاداري او القضائي، فهي مسألة تخضع لرقابة القضاء ولا يجوز المساس بها او الاعتداء عليها وتجاوزها، وكل من يتصرف خلافا للقوانين يتحمل مسؤولية فعله ان كان خطأ شخصيا او مرفقيا، ولا حصانة لمعتدي.

التعبئة الفكرية لحركة فتح - إقليم لبنان