عندما تعصف الأحداث المتسارعة والمتعددة في أذهاننا نجد أن أسباب حدوثها وتزامنها يكون موضع ترتيب وأجندة للاعبين في تلك الأحداث. المخططات والأطماع هي دائمًا جزء لا يتجزء من برامج الدول الكبيرة، للاستيلاء على مقدرات الدول الصغيرة والضعيفة، والشعوب المغلوبة على أمرها. شهدنا أثناء الحرب الدائرة التي تشنها إسرائيل على غزة  تطورات وافرازات الحرب التي ساعدت على ما يبدو في نضوجها، والذي كان هدفها الاستراتيجي هو طمس القضية الفلسطينية. وفي هذا الجانب قطعت إسرائيل شوطًا طويلاً، وأنا لست بصدد التطرق إلى هذا الجانب بقدر ما أتحدث فيه عن العنصران المهمان الشاهدان على القضية الفلسطينية، وهما مخيمات اللاجئيين، ووكالة الغوث الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأونروا.  

تعتبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين رأس حربة منذ أن نشأت في النضال الفلسطيني، ولاقت زخمًا كبيرًا في العمل الفلسطيني لإعادة رسم البعد السياسي والنضالي للقضية الفلسطينية، واخراجها من قضية إنسانية تعني بالمساعدات الإنسانية إلى قضية سياسية وشعب يريد أن يستعيد حقوقه المشروعة بالحرية والعودة إلى تراب وطنه. فكانت شاهدًا مهمًا على النكبة الفلسطينية عام 1948. والشاهد الثاني على النكبة هو وكالة الغوث الدولية "الأونروا" والتي أنشات لرعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين، بعد النكبة مباشرة واستمرت في تقديم خدماتها اللوجستية الاجتماعية والتعليمية والصحية ورعاية شؤون اللاجئين منذ النكبة وحتى الآن في كل أماكن اللجوء.

وفي خضم حرب الإبادة المستمرة على المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، خرج علينا الاحتلال الإسرائيلي بموضوع حظر الأونروا بحجة أن عدد من موظفيها شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر 2023، على مستعمرات غلاف غزة، وبالرغم من نفي وكالة الغوث إلا أن إجراءات حظر عمل الأونروا أخذ مجرى جديًا في أروقة صنع القرار في دولة الاحتلال وأبلغت بذلك الدول المعنية والأمين العام للأمم المتحدة، وكانت الحجة هي أن الأونروا قد أصبحت منظمة إرهابية.

أما الموضوع الثاني الذي وضعه الاحتلال على أجندته، فهو المخيمات الفلسطينية، من أجل إزالة اهم معالم القضية الفلسطينية ، وهو وجود شعب يقدر عدد سكانه بالملايين قابع في هذه المخيمات بعد النكبة الأولى عام 1948، سواءً في مخيمات اللجوء في الشتات أو الدول التي استضافة اللاجئين الفلسطينيين، أو في المخيمات التي تقع داخل فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة. استهداف المخيمات الذي يحدث الآن ليس وليدة اليوم، هو قرار اتخذ مع نشأة دولة إسرائيل بإزالة معالم اللجوء الفلسطيني من وطنهم فلسطين. واشتعلت العديد من الحروب الإقليمية التي طالت عدد من المخيمات في لبنان ومنها معركة تل الزعتر، وصبرا وشاتيلا الذي ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الشهداء الفلسطينين أبناء هذه المخيمات. وفي حرب الخليج استهدف الفلسطيني في دولة الكويت، وتم تشتيت الفلسطينيين البالغ تعدادهم نصف مليون شخص ليصل فيما بعد لأقل من مئة ألف في دولة الكويت، ومع الحرب الأهلية في سوريا استهدف أكبر المخيمات فيها ليصبح العدد اليوم أقل من مئة ألف فلسطيني بعد أن كان عددهم يزيد عن نصف مليون فلسطيني. اليوم وضعت السيناريوهات لاستهداف المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية وذلك من خلال تمرير السلاح إلى داخل المخيمات وبالتالي تحت مسمى استهداف المقاومة الفلسطينية في المخيمات لتبدء عملية التهجير لأبناء المخيمات، وفي هذه المرة سيكون التهجير إذا ما قدر له أن يكون سيكون نهائيًا ليمحو بعد ذلك آثار جريمة تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه فيما أطلقت عليه النكبة ووجود المخيمات نهائيًا، وهي في حربها الآن في قطاع غزة ماضية في تدمير المخيمات وإنهاء معالمها وبذلك تكون إسرائيل قد انتهت من أهم عناصر القضية الفلسطينية وهو اللاجئ، وتمحو آثار النكبة الأولى من الوجود وأمام المحافل الدولية، وتلك هي جريمة العصر الحالي.

الحرب على غزة تحمل في طياتها الكثير من أهداف الاحتلال الإسرائيلي، فكان من أهم أهدافها تهجير عدد كبير من الفلسطينين، وإنهاء وجود المخيمات فيها حيث يوجد تجمع كبير في قطاع غزة للاجئين الفلسطينين، وأقل الأهداف هو ما يسمى تحرير الرهائن الإسرائيليين، وكذلك إنهاء حكم حماس في غزة. لذا فإن الحرب على غزة وبالرغم من احتلال إسرائيل للقطاع كاملاً لن تنتهي قبل أن تنهي إسرائيل أهدافها من هذه الحرب. لذا نجد أن مارثون المفاوضات يتعثر بعد أن كاد المفاوضون قد قاربوا على اتمام صفقة التهدئة، وإذا ما قدر لهذه الحرب أن تتوقف دون استكمال الأهداف فسيكون الاستكمال في إطار التسلسل الزمني، ولا يأبه الاحتلال لعنصر الزمن، فهو صاحب نفس طويل وهكذا سارت الأمور في كل التطبيقات الاحتلالية على أرض فلسطين، والأحداث الكبيرة التي يمر بها الإقليم يقوم الاحتلال باستغلالها على أكمل وجه، حيث يعمل على تنفيذ أجندته تحت جناح تلك الأحداث والعيون بعيدة عن مسار التنفيذ.

المطلوب اليوم من منظمة التحرير الفلسطينية أن تعمل وفي إطار القنوات السياسية والدبلوماسية للحفاظ على وكالة "الأونروا"، وأن تحافظ على أمن وسلامة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ووجودها بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.