في التاسع والعشرين من نوفمبر، شهدت النرويج حدثاً استثنائياً يخلد في تاريخ التضامن الإنساني، حيث أظهرت دعماً عميقاً للشعب الفلسطيني في يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وفي هذا اليوم المميز والذي جمع بين معاني الحرية والعدالة للحق الفلسطيني. الحدث الذي أقيم في كاتدرائية أوسلو كان مشهداً تاريخيا غير مسبوق حضره ملك النرويج هارالد والعائلة المالكة، وأعضاء الحكومة النرويجية وحشود من الشعب النرويجي، إضافة إلى ممثلي 60 سفارة من مختلف دول العالم. هذا التجمع الفريد لم يكن مجرد مناسبة رمزية بل رسالة واضحة للعالم أجمع بأن الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني ليست مجرد مطالب سياسية بل مسؤولية إنسانية مشتركة.

ما جعل هذا الحدث فريدًا من نوعه لم يكن فقط حجم المشاركة بل الروح التي سادت المكان حيث امتزجت الصلوات بالكلمات التي حملت في طياتها أسمى قيم التضامن الإنساني. الكاتدرائية في أسلو التي تعد رمزاً للسلام والروحانية تحولت في ذلك اليوم إلى منبر دولي لدعم قضية الشعب الفلسطيني مؤكدة أن معاني العدالة تتجاوز حدود السياسة لتصبح رسالة إنسانية عالمية.

هذا الحدث التاريخي لم يكن وليد اللحظة بل تتويجًا لجهود دبلوماسية امتدت على مدار سبع سنوات قادتها السفيرة الفلسطينية ماري أنطوانيت سيدن. استطاعت السفيرة أن تحول القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية تُطرح بأدوات حضارية وأسلوب مبتكر من خلال رؤية متجددة وأساليب إبداعية نجحت السفيرة في بناء جسور من الفهم والتواصل مع المجتمع النرويجي والدولي وأيضًا الجاليات العربية والأجنبية بكل أطيافها مما ساهم في تسليط الضوء على القضية الفلسطينية بأسلوب جذب الانتباه وأثار التعاطف في مختلف المحافل.

جهود السفيرة ماري أنطوانيت تجاوزت الدور التقليدي للدبلوماسية حيث نظمت ندوات فكرية ومعارض فنية وعروضاً سينمائية أظهرت معاناة الشعب الفلسطيني بطريقة راقية ومؤثرة. لم تكن تلك الفعاليات مجرد وسائل لتوثيق المعاناة بل أدوات لنقل رسالة حضارية تُظهر للعالم الوجه الإنساني للقضية الفلسطينية. هذه الأنشطة استطاعت أن تخلق حالة من التعاطف والتفهم على مستوى دولي مما ساهم في حشد الدعم السياسي والإنساني للقضية الفلسطينية.

في كلمة مؤثرة ألقتها السفيرة في كاتدرائية أوسلو ألهمت الحضور بكلمات جمعت بين العمق الإنساني والدقة السياسية. أكدت أن النضال الفلسطيني ليس مجرد صراع سياسي بل قضية إنسانية تتعلق بحقوق الشعوب في الحرية والكرامة. هذه الكلمة لم تكن مجرد خطاب بل كانت شهادة على أن الدبلوماسية يمكن أن تكون أداة لإحداث تغيير حقيقي عندما تمارس بحرفية وابتكار.

الإنجاز الكبير الذي حققته السفيرة ماري أنطوانيت يجب أن يكون نموذجًا يحتذى به لكل سفراء فلسطين حول العالم. جهودها المميزة تمثل درساً في كيفية تقديم القضايا العادلة بأسلوب يجمع بين التأثير الإنساني والعمق الفكري. على السفراء أن يستلهموا من تجربتها أهمية الابتكار في طرح القضية الفلسطينية وأن يسعوا جاهدين لتقديمها للعالم بأسلوب يعكس الروح الإنسانية العميقة التي تمثل جوهر هذا النضال.

ما حدث في كاتدرائية أوسلو يحمل في طياته رسالة عظيمة للعالم: أن القضايا العادلة لا يمكن أن تنجح إذا ظلت حبيسة الخطابات التقليدية بل تحتاج إلى رؤية متجددة ووسائل مبتكرة قادرة على لمس القلوب قبل العقول. التضامن الذي أظهرته النرويج، ملكاً وحكومة وشعبًا إلى جانب مشاركة ممثلي 60 دولة، يعزز الأمل في أن العدالة يمكن أن تتحقق عندما تتوحد الجهود حول المبادئ الإنسانية.

هذا الحدث التاريخي ليس فقط محطة فارقة في تاريخ التضامن مع فلسطين، ولكنه أيضًا دليل على أن الدبلوماسية الإنسانية يمكن أن تكون وسيلة قوية لتحقيق التغيير. يجب أن يكون هذا الإنجاز محفزًا للدبلوماسيين الفلسطينيين ليعملوا بروح الإبداع والالتزام لتقديم قضيتهم العادلة بأسلوب يليق بها.

ختامًا، سيظل هذا اليوم شاهداً على قدرة الشعوب على التوحد حول قيم الحرية والعدالة، ورمزاً للتضامن الإنساني الذي يتجاوز حدود السياسة. الحدث الذي شهدته كاتدرائية أوسلو يمثل لحظة تاريخية يجب أن تستلهم منها روح جديدة للدبلوماسية الفلسطينية تبرز الوجه الإنساني لقضيتنا العادلة وتفتح آفاقاً أوسع لتحقيق الحرية والعدالة للشعب الفلسطيني. لقد كنت واحدًا من الفلسطينيين الحاضرين في كاتدرائية أوسلو وشعرت بالفخر والعزة في تلك اللحظة التاريخية التي جمعت قلوب العالم حول قضيتنا. رغم أنني كنت أشعر بالإحباط بسبب الأحداث المتصاعدة في فلسطين فإن هذا الحدث أعاد لي الأمل بأن العالم لا يزال قادراً على الإصغاء لقضيتنا وأن التضامن الإنساني يمكن أن يكون جسراً نحو مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا القادمة نحو التحرير والوصول للعدالة رغم جبروت الاحتلال.