وددتُ، وقد حزنتُ وبكيت، حتى بلّ دمعي محملي، لو استطعتُ الإمساك بيدها وإخراجها من الشاشة، بينما اقترب وجهها البريء الجميل حتى المسافة صفر، ودخل في كادر الكاميرا بكامل بهائه وارتعابه وارتعاشه، مما يحيط بها من أعمدة النار والدخان وأزيز الرصاص.

طفلة لم تتجاوز الأعوام الخمسة من عمرها، بدت هائمةً وحيدةً تتعثر خطواتها، فتكبو تارة وطوراً تنهض، لتواصل الركض دون أن تعرف لها اتجاهاً، فدخلت في عين الكاميرا التي أحبتها، ولاحقتها، وتفحّصت ملامحها وحركات يديها، وهي تهشّ بها خصلات شعرها التي انسدلت في لحظة رعبٍ على وجهها.

تركض الطفلة الهائمة مع الراكضين، تحمل جرزة صوف بيدها اليمنى، وفي قلبها تحمل خوفها وفزعها وحيرتها، بحثاً عن مكانٍ آمنٍ بعد أن غادرت البيت ودفء الفراش قبل أن يستحيل ركاماً، فيما ينفتح المشهد على أفواج الخائفين الراكضين اللائذين إلى اللامكان، وفوقهم تحلّق الغربان على امتداد الأرض اليباب التي يتم إعدادها لبناء المستوطنات على أنقاض بيوت الطوب ومخيمات الصفيح التي استحالت مقابر لسكانها.   

يا الله كم هي موجعةٌ لقلوبنا مشاهد الأطفال في غزة، ونحن نراهم يموتون أمام أعيننا، يلفّهم البياض وقد ذهبوا إلى إغفاءتهم الأخيرة، تاركين خلفهم الألم والحسرة والوجيعة في قلوب آبائهم وأمهاتهم الذين يكابدون أوجاعاً تئن بأوزارها الجبالُ الراسيات.

يا الله.. إليك يا رب نشكو ضعفنا وعجزنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، أوقِفوا الإبادة الآن.