"وفقًا لبعض الخبراء.. ما يحدث في غزة له خصائص الإبادة الجماعية.. يجب التحقيق بعناية لتحديد ما إذا كان يتناسب مع التعريف التقني الذي صاغه الخبراء ورجال القانون والهيئات الدولية".
النص أعلاه نشرته وكالة أنباء الفاتيكان، الوكالة الرسمية "للكرسي الرسولي"، مقتطف من كتاب للبابا فرنسيس بعنوان "الأمل لا يخيب أبدا: الحجاج نحو عالم أفضل" يفترض أنه قد صدر أول أمس التاسع عشر من هذا الشهر نوفمبر/تشرين الثاني، ويتضمن الكتاب شهادة عما يحدث في فلسطين عمومًا، وفي غزة تحديدًا، سيكون تأثيرها الإيجابي المباشر على الرأي العام الدولي، وعلى مواقف مئات ملايين المسيحيين الكاثوليكيين على الأقل في العالم، وقد نلمس ذلك في المدى القريب والبعيد، وربما نشهد تحولاً تاريخيًا وارتفاعًا في حرارة تفاعل الضمائر مع الإنسانية المهدور دمها في "جريمة إبادة" بحق الشعب الفلسطيني ترتكبها منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصرية (إسرائيل) في الأرض المقدسة فلسطين، حيث مهد المسيح عليه السلام في بيت لحم، وغزة التي كانت في قائمة المدن الحضارية قبل الميلاد، وبعد الميلاد، صنفها الباحثون التاريخيون في قائمة المدن الحضارية العلمية والدينية كأنطاكيا والإسكندرية وروما، وفيها "كنيسة القديس بريفيريوس" التي تعتبر ثالث أقدم كنائس العالم، بنيت بداية القرن الخامس الميلادي، وسميت نسبة للقديس بريفيريوس وتحتضن قبره.
فتسليط البابا فرنسيس الضوء على معاناة أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة، لا يمكن اعتباره مجرد موقف سياسي أو إنساني من أعلى هرم الكنيسة الكاثوليكية، بقدر ما يعتبر شهادة تاريخية، من شخصية تمتلك مصداقية لا تقوى دعاية حكومة الصهيونية الدينية في إسرائيل على خدشها، خاصة أن البابا يتحدث عن أسمى فعل لدى الإنسان وهو التفكير والإحساس والشعور بمآسي الإنسان بتجرد، دون تمييز، فقد كتب عن النازحين الفلسطينيين في قطاع غزة: "أفكر قبل كل شيء في أولئك الذين يغادرون غزة في خضم المجاعة التي ضربت إخوانهم وأخواتهم الفلسطينيين نظرًا لصعوبة الحصول على الغذاء والمساعدات إلى أراضيهم". ونعتقد أن منظومة الاحتلال لن تقدر على اتهام البابا فرنسيس بمعاداة السامية، لأنه لم يغفل إدراج الإبادة التي تعرض لها اليهود في أوروبا خلال اجتياح النازية والحرب العالمية الثانية، وكذلك الأرمن قبل قرن ونيف من اليوم، وقبائل التوتسي، فالضحية في كل هذه الجرائم هو الإنسان البريء، والإنسانية كقيمة تعتبر روح وجوهر العقائد والفلسفات والقوانين.
لم يعد بمقدور أحد منع الأحرار في العالم، من الإعراب عما يعتمر في ضمائرهم، أو فرض ادعاءاته على أنها الرواية الوحيدة غير القابلة للنقض والتفنيد، ونعتقد أن البابا قد أصاب، عندما كتب بوجوب "التحقيق بعناية" حول الإبادة، وبذلك نجد نقطة التقاء بين البابا فرانسيس الذي يمثل 1.13 مليار نسمة في العالم أي (17.33%) من تعداد البشرية، و(51.4%) من المسيحيين في العالم، وبين إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، التي جلبت حكومة إسرائيل إلى قاعتها (كمتهم) باعتبارها أعلى سلطة قضائية تتبع الشرعية الدولية تنظر بملف الإبادة، حتى أن المدعي العام فيها، قد طلب إصدار مذكرة جلب بحق رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، للمثول أمامها، وهنا لا بد من التأكيد أن البابا فرنسيس كان منسجمًا جدًا في طرحه عندما ربط انطباق المصطلح على وقائع جرائم ومجازر منظومة الاحتلال التي تنفذ منذ السابع من أكتوبر سنة 2023، بسلاح الحرب والتدمير الشامل، والتجويع، والأمراض والتهجير والتشريد واقتلاع المواطنين من أرضهم وبيوتهم، والأفظع محاولات مكشوفة لتجريدهم من إنسانيتهم، ولقتل الأمل بالحياة عندهم، وفي المستقبل الكائن في أولادهم. وإحلال سفك الدماء والدمار، مكان السلام والازدهار في كنف الحرية والاستقلال، الذي تعمل قيادة الشعب الفلسطيني لأن يكون السمة الخالدة للأرض المقدسة فلسطين. فالأمل بالسلام لن يخيب أبدا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها