إذا كانت مساهمة اليمين العنصري الصهيوني المتطرف في عملية تدمير اتفاق "أوسلو" تجسدت أولى خطواتها في اغتياله لرئيس الحكومة الإسرائيلية حين ذاك، إسحق رابين، فإن مساهمة حماس في هذا السياق، تمثلت أولاً- في عملياتها التفجيرية التي شكلت ذريعة لليمين العنصري الصهيوني ليحقق ما يريد ضد "أوسلو" وثانيًا- في انقلابها العسكري العنيف، على الشرعية في قطاع غزة، وحققت بواقعيته الاقصائية الانقسام البغيض، الذي جعل القطاع محاصرًا، وعرضة لحروب إسرائيلية دموية، بذرائع وفرتها دون شك صواريخ حماس العبثية.

هذا يعني أن واقع حرب الإبادة الراهنة التي تواصلها إسرائيل ضد فلسطين ومشروعها التحرري  شمالاً وجنوبًا، إنما هو الواقع الذي أوجده تدمير اتفاق أوسلو أساسًا، هذا التدمير الذي ساهمت فيه وعلى نحو بالغ، حركة "حماس" ولم يكن القرار بهذا الأمر قرارها، بل كان قرارًا إخونجيًا بترتيباته الإقليمية والدولية.

أجل، ومرة أخرى، لولا هذا الواقع، لولا هذا التدمير "لأوسلو" ولولا الانقلاب، وما شكل من سلطة استعراضية، وما خلف من انقسام وحروب، لكانت غزة تسير اليوم في دروب سنغافورة ولكانت الضفة بلا هذا العبث الإسرائيلي العنيف، الذي نقاومه اليوم بالصمود، وتكريسه بالعمل المنتج، والثبات على المبادئ الوطنية، وبالنفس الطويل، وفق تعبير رئيس الحكومة د. محمد مصطفى، والأهم بعدم الانجرار لما يريد الاحتلال من اشتباك عسكري مع السلطة الوطنية.

أجل، كانت غزة ستكون سنغافورة، لولا "حماس" وسلطتها، هذه هي الحقيقة التي لا يريد سحيجة "حماس" وذبابها الالكتروني أن يروها والتعاطي معها، وهم في نكران مطلق للواقع الذي بات عليه قطاع غزة، والمفارقة أن هؤلاء باتوا مع هذا النكران، أكثر انهزامًا، وبروح التشفي المريض يهللون لمخطط الضم الإسرائيلي، ليتحقق في الضفة الفلسطينية المحتلة، لكي يقولوا فقط إن هذا هو نتاج سياسة السلطة الوطنية، وعدم اشتباكها العسكري مع  جيش الاحتلال وطائراته الحربية. هذا هو باختصار شديد طنين الذباب الإلكتروني، الطنين الانهزامي.