هناك مقولة بالإنكليزية تقول:
What You See Is What You Get
وترجمتها بتصرف أن ما تراه ماثلاً أمامك هو الواقع الحقيقي وبدون مواربة ولا تأويلات يصف ترامب بشكل مثالي. ما يصرح به هذا الرجل يعمل به، وما ينفذه على الأرض يخبرك به قبل التنفيذ.
هو واضح في كذبه، وتصريحاته العنصرية وتعليقاته المسيئة للمرأة والأقليات العرقية في بلده. وهو شفاف في فاشيته وشعبويته، وهو صادق في تطبيق شعاره الانتخابي "أميركا أولاً". ونعم هو سيعقد اتفاقًا مع بوتين بخصوص أوكرانيا ولو على حساب مصالح الحلف الأطلسي، ونعم سيصعد مع الصين من وتيرة الحرب الاقتصادية الضروس بينهما وسيوظف ملف تايوان لهذا الغرض.
ونعم سيجد آلية لفكفكة "محور المقاومة" عبر بوابة إيران وسيجتهد لاجتراح مسار يحافظ على حضور إيران الإقليمي ويستحلب توليفة تخص الملف النووي الإيراني ودحرجة رفع الحظر الاقتصادي الخانق على إيران.
ولكن "النعم" الأهم لنا والأخطر، هي أنه ببساطة سيواصل تنفيذ صفقة القرن خاصته من حيث انتهت، سيقف مع الكيان "ولايته الواحد والخمسين، وقاعدته العسكرية الأكبر وشرطي المنطقة الأول" داعمًا له اقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا وسياسيًا في مسعاه للقضاء على المقاومة الشعبية وحسها في فلسطين ولبنان والعراق واليمن. ونعم سيعيد إحياء التطبيع والاتفاقية الإبراهيمية. ومن كان من بيننا يمنى النفس إنه كان بالأفق إمكانية العمل على إلغاء نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومن كان يمنى النفس إن الإدارة الأميركية الجديدة سترعى وتحمي حل الدولتين، وإن حل قضية اللاجئين ارتكازًا على القانون الدولي والمشرع في قرارات الأمم المتحدة قابل للتنفيذ خلال ولايته، وإنه سيواصل دعم الأونروا وإنه سيعارض إنهاء دورها في فلسطين المحتلة. من كان بين ظهرانينا من يتأمل بتحقيق كل ذلك أو بند من هذه البنود فهو حالم.
الرجل "شفاف"، ويتصرف بدهاء (البعض يصفه بساذج وهذه سذاجتهم)، ويتصرف دون مواربة وبدون "إتيكيت" ديبلوماسي خادع، وبدون مجاملات كاذبة كما بايدن وهاريس وبلينكن وهوكشتاين وسوليفان وبقية الحاشية. وفي هذه الجزئية أقول أعطني شيطانًا رجيمًا واضحًا في رجسه ولا تعطني شيطانًا يصور الجحيم لي بالجنة الموعودة.
الأونروا دخلت دائرة الخطر الشديد وظلال الإلغاء والتهميش والشيطنة والتفكيك وتجفيف مواردها المالية وإنهاء دورها في فلسطين تلقي بظلالها الثقيلة عليها. كل هذة التطورات تتفاعل قبل ترشح ترامب وفوزه. هو سيمضي في ذات الجهود، لا بل أتوقع منه الإسراع في عملية الإجهاز على الأونروا.
دعونا نتذكر أنه وفي فترة رئاسته الأولى طالب الأمم المتحدة بشطب الأونروا وأوقف الدعم المالي للأونروا في العام 2018. ولا أتوقع أن المساعدات الأميركية للأونروا "على شحها" ستعود في عهده، والرجل وإدارته لن يوفروا أي مظلة حماية للأونروا داخل أروقة الأمم المتحدة أو حشد دعم لها مع الدول الأخرى.
ولكن دعونا ندرك أيضًا أنه يتوافق مع التوجه الإسرائيلي في ضرورة إنهاء الأونروا تدريجيًا في فلسطين كي لا تبرز فجوة اقتصادية/إنسانية/أمنية/سياسية في الأراضي المحتلة تضعف سيطرة الكيان وتضعف ملف احتواءه والسيطرة على الضفة الغربية وتضعف جهود طرد الأونروا من القدس. وهو سيتوافق مع توجه الكيان بدحرجة الأمور في غزة كي يتسنى له إيجاد بدائل فعالة تحل مكان الأونروا. واخيرًا سيدعم دحرجة إنهاء الأونروا لتخفيف الاعتراضات الدولية رويدًا رويدًا واستدراجها القبول بالأمر الواقع والدخول مع الكيان في البحث عن آليات بديلة للأونروا "خوفًا وقلقًا على المدنيين الأبرياء من الموت والجوع والعطش".
حق عودتنا يتهدده الخطر الأكبر منذ عقود. ما يخطط له الآخرون لنا ليس قدرًا مكتوبًا محتومًا. ولكننا نريد الآن بيانات تنديد أقل وتصريحات شجب أقل. نريد صفر مناشدات وصفر ارتجالات وصفر مناوشات على فتات يرميه على موائدنا الأعداء "والأخوة" و"الأصدقاء".
نريد نهاية ناجزة للانقسام، ونريد برنامج عمل تفصيلي نقطة بنقطة في كيف العمل وكيف الرد وكيف الثبات. نريد أن نرى برنامج عمل قابل للتنفيذ وشفاف ونريده الآن.
نتيناهو يقول إنه في معركة وجودية.
أو ليست هي معركة وجودية لنا؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها