بصورة يصعب وصفها، تكثف إسرائيل ومنذ أكثر من أسبوعين، من حربها العدوانية ضد شمال قطاع غزة الذبيح، حيث بيت لاهيا، وجباليا المدينة والمخيم. قصفها التدميري تمامًا على البيوت والمباني والمخيمات وحتى مراكز الايواء، الضحايا الشهداء والجرحى بالمئات، وما زالت طائرات الاحتلال الحربية تواصل وحشتيها المميتة، وجيشها على الأرض يطارد النازحين، وأهل جباليا، وبيت لاهيا لإجبارهم على نزوح جديد نحو الجنوب وحتى دون ممرات أمنة.

لا مشهد في الشمال، سوى مشهد الضحايا، وأناس أبرياء يتضورون جوعًا وعطشًا وأمنًا قبل كل شيء، وهم سائرون بأقدام أغلبها حافية، فوق الركام، وفي دروب تقطعت أوصالها.

هناك حرب إسرائيل بأبشع حالاتها، هناك تغولها، وفداحة بشاعتها، لكن فضائيات الخديعة تتحدث عن "اشتباكات ضارية" هناك اشتباكات لا أحد يرى بأنها قادرة على ردع، أو وقف تغول إسرائيل في حربها الفاشية هذه.

ثمة شبان شجعان في هذا الإطار، يقاتلون من مواقع دفاعية ولا شك، على أن فضائيات الخديعة تنفخ في صورة هذه الاشتباكات، وواقعيًا فإنها بهذا النفخ، ستوفر في المحصلة، شاءت هذه الفضائيات ذلك، أم لم تشأ الذريعة لجيش الاحتلال، لأن يواصل هذه المقتلة، لشمال القطاع الذبيح، بل أن يواصلها أيضًا ضد لبنان، وحيث هذه الفضائيات تنسج على نفس المنوال تجاه "الاشتباكات" هناك.

ما يخدم اليوم مسعى وقف هذه الحرب، هو التأكيد على وحشيتها، وأنها حرب إبادة، لا حرب اشتباكات ضارية. حرب المدنيون هم ضحاياها، لكي نشدد على هزيمة إسرائيل الأخلاقية فلا تحظى بأي نصر لحربها هذه، ولا بد من القول أيضًا، بوضوح وصراحة، لن يكون بوسع الخطاب الإعلامي في فضائيات الخديعة، وتحليقات محلليها السياسيين والعسكريين في الفضاء الاستعراضي والدعائي، دعم "الاشتباكات الضارية" على نحو ما يوحي بأنها قادرة على ردع التغول الإسرائيلي في حربه الفاشية هذه.

نحن شعب يتعرض للإبادة، على العالم أن يرى هذا الأمر بحقيقته الكاملة، ويرى أننا نقاوم بالصمود، وبخطاب الحق والعدل والسلام، وقد أدمى المخرز الإسرائيلي كفنا، فلعل هذا العالم يتحرك بجدية، ليوقف هذه الحرب، وبصورة حاسمة.

نعرف أن فضائيات الخديعة لن توقف نهجها ولا سياساتها، وقد انحازت لسطوة الشعارات الحزبية والشعبوية، غير أنه لابد من ملاحقتها دائمًا بكلمة الحق الصريحة، لا من أجل أن نسجل ذلك للتاريخ، وإنما لنواصل إضاءت دروب الحقيقة فلا يقتلنا الوهم ولا تذبحنا الخديعة.